المفترق الصعب طلال عوكل بعد أسبوع صاخب من الحركة على الحدود المصرية مع قطاع غزة، تخللها عبور وعودة مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين اختنقوا بسبب الحصار، وجرى خلالها إخلاء المنطقة بين الحدود ومنطقة العريش، من كافة أنواع البضائع التي افتقدها أهل القطاع، دخلت قضية الحصار والمعبر مرحلة أخرى من الصخب السياسي. كان معروفاً تماماً أن مصر التي سهلت حركة وتبضع الفلسطينيين الذين أنهكهم الحصار والصراع الداخلي، لن تسمح ببقاء الحدود مفتوحة على النحو الذي كان، ذلك أن ما كان لا يدل على عجز مصري على ضبط الأمور، بقدر ما أنه يدل على اعتراض مصر على تجويع الفلسطينيين من ناحية واعتراضها أيضاً على الأسلوب الذي جرى في انتهاك حدودها وسيادتها، خصوصاً وقد اتضح أن ما جرى تجاوز ضرورة التنسيق المسبق. عند فحص ما جرى خلال اجتياح الحدود المصرية الفلسطينية، نتبين أن ثمة إدراكاً مصرياً وعربياً لخطورة الأبعاد السياسية التي تتغطى بالأبعاد الإنسانية للأوضاع القائمة في القطاع منذ أن فرضت إسرائيل حصارها الشامل والمحكم على القطاع. فلقد أصبح واضحاً أن اسرائيل تستغل الانقسام الفلسطيني الى أبعد الحدود لإعادة صياغة الحلول الممكنة للصراع، عبر دفع قطاع غزة بعيداً عن الضفة، والقضية، ولذلك فإنها لم تكن تمانع في أن يذهب الفلسطينيون باحتياجاتهم ومتطلباتهم نحو مصر التي يترتب عليها أن تتحمل الآن المسؤولية عن كل ذلك كمقدمة لتحمل المسؤولية القانونية والأمنية. المخاوف الفلسطينية والعربية من إمكانية نجاح المخطط الإسرائيلي عبّر عنها بوضوح الدكتور صائب عريقات رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الذي عبّر أيضاً عن عزم السلطة والمنظمة على إفشال هذا المخطط. الجهد الذي تقوم به السلطة لإفشال المخطط الإسرائيلي استند إلى تحرك في اتجاهين رئيسيين، فلقد خرج وزراء الخارجية العرب، بجملة من القرارات التي تبدو وكأنها شعاراتية أو مكرورة، ولا تتضمن قرارات تنفيذية، لكنها كانت أكثر من ضرورية لرد الكرة إلى الملعب الإسرائيلي، وإعادة تأكيد مسؤولية الاحتلال القانونية عن قطاع غزة، كما عبّرت عن رفض عربي جماعي للمخطط الإسرائيلي. من ناحية ثانية، قامت السلطة بتحرك دولي وعربي واسع وناجح لضمان الحصول على دعم لمبادرتها بشأن تسلم المعابر في قطاع غزة، وخصوصاً معبر رفح. فبعد التأييد الذي حصلت عليه المبادرة من قبل الرباعية الدولية، وهو ربما ما أدى بإسرائيل الى أن تعلن عن عدم ممانعتها، جاء الموقف المصري واضحاً ومباشراً حيث أعلن وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ان بلاده ترغب وتؤيد أن تتسلم السلطة المسؤولية عن إدارة معبر رفح. الاتحاد الأوروبي بدوره، أعلن موقفاً يدين الاستيطان الإسرائيلي ويرى فيه مخالفة للقانون الدولي وتعطيلاً لعملية السلام، كما أنه أعلن من ناحية أخرى عن إدانته لإطلاق الصوارخ على اسرائيل. أما بالنسبة للمعابر فقد أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لإعادة فريق المراقبين الدوليين للعمل في حال تسلمت السلطة المسؤولية عن إدارة المعابر. هناك إذاً، اجماع دولي وإقليمي وعربي على دعم مبادرة الرئيس محمود عباس بتسلم السلطة مسؤولية إدارة المعابر في قطاع غزة، ما يجعل حركة حماس في موقف حرج. وإذا كان من غير الممكن أن نتصور نجاح مبادرة السلطة والرئيس محمود عباس بشأن تسلم السلطة المسؤولية عن معبر رفح، وهو الموضوع المطروح الآن، دون موافقة من حركة حماس، التي ترى أن من حقها أن تضطلع بدور رئيسي فيما يتصل بالمعبر فإن الجهد المصري الذي يستقبل وفدين فلسطينيين من حركتي فتح وحماس في القاهرة انما يستهدف عبر لقاءات منفصلة مع كل منهما، تذليل العقبات. على أن تذليل العقبات أمام إمكانية نجاح مبادرة الرئيس محمود عباس، ليس بالأمر الهين والسهل، خصوصاً ان الوسيط المصري اتخذ موقفاً مسبقاً، ما يجعل المبادرة كلها في مهب الريح، إن لم يجر التوصل إلى حلول وسط لا ترتقي الى مستوى نشوء اعتراضات دولية أو إسرائيلية. وفي الواقع فإن التوصل الى اتفاق أو الفشل في التوصل إليه بشأن معبر رفح من شأنه أن يفتح على أزمة أكبر أو ربما المزيد من الأزمات، فمصر لا تستطيع فتح حدودها على النحو الذي وقع، وربما لا تستطيع الاستجابة لمطلب رفع الحصار في ظل ضغوط دولية خصوصاً أميركية قوية عليها. هذا يعني أن اسرائيل ستواصل حصارها على قطاع غزة، ما قد يتسبب في تكرار اجتياح الحدود المصرية مع قطاع غزة، وهذا أمر قد ينجم عنه تعميق العلاقات المتأزمة بين مصر وحركة حماس. والواضح أن اسرائيل التي أعلنت أنها لا تمانع في تسلم السلطة المسؤولية عن معبر رفح تدرك مدى صعوبة الاتفاق بين حماس، والسلطة، وهي تراهن على فشل المحاولة المصرية لالقاء المسؤولية عن بقاء الحصار على الطرف الفلسطيني، وبما يعفيها من المسؤولية أمام المجتمع الدولي. إن إسرائيل ستظل تلعب على محور التناقضات والانقسامات الفلسطينية من أجل دفع الأوضاع تدريجياً نحو خيار سلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية نهائياً، وإعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل العام 7691، مع بعض التعديلات التي تفرضها حقائق الأمر الواقع. ولتحقيق أهدافها لا نستبعد أن تقوم إسرائيل بتفعيل عدوانها على نحو واسع على قطاع غزة، إن هي لاحظت بوادر نجاح المساعي المصرية على جبهة الخلافات الفلسطينية القائمة بالنسبة للموقف من معبر رفح، وبهدف تعطيل سريان أي اتفاق يقرب الفلسطينيين من حل بعض مشاكلهم وأزماتهم. فلقد أعلنت إسرائيل مرة أخرى رفضها لأي حوار فلسطيني فلسطيني يؤدي الى معالجة الانقسام الجاري، وإعادة توحيد الوضع الفلسطيني، الأمر الذي تدركه مصر، والمجموعة العربية، وتدركه الأطراف الفلسطينية المعنية. ومرة أخرى يتضح مدى خطورة الانقسام الفلسطيني وبقاء الحال على حاله، إذ إن مشكلة أزمة معبر رفح، كان من الممكن أن تفضي الى معالجة كل موضوع الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة، على خلفية الدعم الذي حظيت به مبادرة السلطة بشأن كل المعابر من قبل الرباعية الدولية والمجموعة العربية. إن حصر الجهد الذي تقوم به مصر بمعالجة أزمة معبر رفح، هو تبرير لامكانيات رفع الحصار، وهي معالجة تستهدف فقط قطع الطريق أمام المخطط الاسرائيلي بدفع القطاع نحو المسؤولية المصرية وهو ما ترفضه مصر. لذلك، نقول إن نجاح المسعى المصري مع الطرفين الفلسطينيين بشأن معبر رفح إما ان يقود الى استمرار الحصار وتشديده، وتعريض قطاع غزة لعدوان اسرائيلي كبير، بذريعة تحدي حركة حماس للإرادة العربية والدولية، فضلاً عن استمرار الانقسام الفلسطيني وتزايد حالة الصراع الداخلي، واما ان يقود إلى انفراجة في العلاقات الداخلية الفلسطينية. على أن النجاح وتحقيق انفراجة في العلاقات الداخلية الفلسطينية، والانتقال الى مرحلة الحوار والحلول الشاملة لأزمة الانقسام الفلسطيني، يتطلب جهوداً مختلفة اتضح أن أي طرف عربي لا يمكنه تحقيق نجاح فيها إلا إذا كانت مصر في قلب المعادلة وعلى رأس الحركة. وحتى يتسنى ذلك أصبح من الضروري أن تستعد مصر والمجموعة العربية لتقديم مبادرة وآليات محددة للتحكيم بين الطرفين اللذين يتمسك كل منهما بمواقفه وذلك على غرار ما قامت به الجامعة العربية في لبنان رغم أن مبادرتها لم تنجح بعد. معبر رفح إذاً، هو مفترق طرق بالنسبة لأوضاع الفلسطينيين فهو إما الى معبر نحو الانفراج واما الى مزيد من ا لصراع والخنق والأزمات. عن صحيفة الايام الفلسطينية 31/1/2008