ماذا لو كان مسلماً؟ خليل العناني ربما ليست مفاجأة أن يعلن كولن باول وزير الخارجية الأميركي السابق عن دعمه وتأييده للمرشح الديمقراطي باراك أوباما، وذلك رغم أنه (باول) ينتمي إلى الحزب الجمهوري وكان وزيراً للخارجية فى عهد الإدارة الأولى للرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. بيد أن المفاجأة هي فيما قاله باول حول إمكانية أن يكون باراك أوباما مسلماً. ولولا أن باول قد قالها صراحة فى أحد أهم أشهر البرامج التلفزيونية وهو برنامج (قابل الصحافة أو Meet The Press) لقلنا بأن ثمة خطأ أو لبْسا قد شاب تصريحاته. ومكمن المفاجأة ليس فقط في طرح قضية إسلام أوباما للنقاش على الملأ وبهذه الجرأة، وذلك فى بلد لا يزال يعاني من صدمة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما لحق بالعرب والمسلمين من تشويه وعنصرية من بعض الأميركيين. وإنما هي فى طريقة تعليق باول على القضية وهو الذي بادر مقدم البرنامج "توم بوكوا"، بطرح عدة أسئلة نزلت عليه وعلى المشاهدين كالصاعقة. فقد طرح باول سؤالاً تاريخياً على مضيفه، وذلك فى معرض انتقاده لأداء المرشح الجمهوري جون ماكين بالتركيز على الخلفيات العرقية والدينية لأوباما، بالقول وماذا لو كان أوباما مسلماً؟ ما لبث أن لحقه بسؤال آخر: وما العيب فى أن تكون مسلماً في هذا البلد (الولاياتالمتحدة)؟ ثم عجّل بسؤال ثالث: وهل هناك مشكلة فى أن يحلم طفل أميركي مسلم فى عمره السابع بأن يصبح رئيساً للولايات المتحدة فى المستقبل؟ وجميعها أسئلة استنكارية طرحها باول من أجل الرد على الخطاب العنْصري الذي وسم الحملة الانتخابية للجمهوريين وبعض المتطرفين من الأميركيين البيض الذين ينظر بعضهم لوصول أوباما للبيت الأبيض كما لو كان كابوساً يجب منع حدوثه. وكأنما ألقى باول بحجر ثقيل فى بحيرة التعصب الأميركية الراكدة، وهو بذلك أعطى قضية التمييز، ليس فقط ضد الأميركيين السود، وإنما ضد المسلمين أيضا، دفعة للأمام بحديثه المتوازن عن دعم أوباما باعتباره مواطناً أميركيا بغض النظر عن لونه أو دينه أو عرقه. وقد عبّر باول عن رأيه فى أوباما بعيداً عن أي تحزّبات عرقية باعتباره ينتمي إلى نفس العرق الأفروأميركان. وهو قد دعم موقفه هذا بثلاث حجج رئيسية بدت مقنْعة للكثيرين. أولها ما ذكره باول عن اقتناعه بقدرة أوباما على "تحويل مسار البلاد" والخروج بها من الوضع المأساوي الراهن داخلياً وخارجياً. مشيراً إلى أنه لا يريد التصويت لشخص سوف يقوم باتباع نفس السياسات القديمة التي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وذلك فى انتقاد مبطّن للجمهوري جون ماكين الذي يتهمه البعض باعتباره نسخة معدّلة من الرئيس بوش. وثانيها أنه أكثر اقتناعاً بقدرة أوباما على مواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي تمر بها الولاياتالمتحدة، وذلك عطفاً على التجاوب السريع الذي أبداه أوباما منذ بدء الأزمة. وثالثها نجاح أوباما فى اختيار شخص نائب الرئيس، وهو جو بايدن صاحب الخبرة الطويلة فى قضايا السياسة الخارجية. وذلك على عكس ماكين الذي اختار نائبة له "لا يمكنها ملء المقعد الرئاسي فى حال خلوه" وذلك على حد قول باول الذين كان يشير إلى سارة بالين حاكمة ألاسكا التي اختارها ماكين نائبة له. واقع الأمر إن تخلّي باول عن صديقه ماكين، وهما اللذان ارتبطا، ولا يزالان، بصداقة تمتد لنحو ربع قرن، بقدر ما هو خطوة ذكية من جانبه للرهان على "الجواد الرابح" فى السباق الحالي، إلا انه فى المقابل يمثل ضربة مبطّنة للحزب الجمهوري الذي يبدو مهلهلاً الآن. وقد يؤدي مثل هذا الموقف إلى دفع المترددين من الحزب الجمهوري للتصويت لأوباما، وقد نرى خلال الأيام المقبلة مفاجأت مماثلة على غرار ما فعله باول. كما أن تأييد باول لأوباما قد يُنظر إليه كنوع من الانتقام "غير المباشر" يمارسه باول ضد سياسات المحافظين الجدد الذين اختطفوا الحزب الجمهوري ومعه الولاياتالمتحدة عقب هجمات سبتمبر وقاموا بغزو أفغانستان والعراق. بل بالأحرى هو ترجمة لسلسلة من المواقف الشجاعة التي اتخذها باول منذ خروجه من منصبه كوزير للخارجية عام 2004، وهو الذي ندِم لاحقاً على غزو العراق، واعتذر ضمناً عما اقترفه فى مجلس الأمن إبان الاستعداد لشن الحرب عليه قبل خمس سنوات. لذا لم يكن غريباً أن تشن بعض الأصوات الجمهورية المتطرفة هجوماً حاداً على باول عقب إعلانه عن تأييده لأوباما، وذلك إلى درجة أن اتهمه بعضهم بالعنصرية والانحياز لابن جلدته أوباما وتنكره لحزبه الجمهوري. ما طرحه باول بشأن الإسلام فى الولاياتالمتحدة قد يمثل بداية أمل للعرب والمسلمين هناك، وهو أمر سوف تبرز قيمته لاحقاً، بيد أن السؤال هو: هل يمتلك العرب والمسلمون شجاعة باول والدفاع عن أنفسهم كمواطنين أميركيين يحق لهم تولي جميع المناصب، بما فيها منصب الرئيس؟ هذا ما نتمناه. عن صحيفة الوطن العمانية 22/10/2008