في يوم القدس .. هل اصبحت منسية!! سلطان الحطّاب اليوم ما قيمة ثورة الاتصالات والتواصل والمعرفة ومشاهدة ما يبث على الفضائيات وفي شبكة الانترنت ان كانت النتائج العملية لسلوك العرب والمسلمين تجاه القدس والتي هي جزء من عقيدتهم على هذا الشكل القائم الذي نعيشه منذ اربعين سنة .. في التاريخ حين لم تكن الاتصالات متوفرة ولم يكن هناك من يخبر ولم تكن المشاهد مبثوثة .. جاء الفرنجة لاحتلال بيت المقدس عام 492 للهجرة ويصف ابن الاثير في كتابه الكامل دخول الفرنجة الى القدس '' وقتل الفرنج بالمسجد الاقصى ما يزيد على سبعين الفا منهم ائمة المسلمين وعلماؤهم . واخذوا من عند الصخرة اكثر من اربعين قنديلا من الفضة وزن كل قنديل (3600) درهم واخذوا تنورا من فضة وزنه اربعين رطلا بالشامي واخذوا من القناديل الصغار (150) قنديلا نقرة ومن الذهب اكثر من عشرين قنديلا وغنموا غنائم لا تحصى '' .. احتلوا القدس وعتّموا مساجدها .. وتحرك اهل القدس واهل الخليل وتوجهوا الى بغداد يقودهم القاضي ابي سعيد الهروي وقد مروّا بالشام واخذوا وفودا منها .. وحين وصلوا بغداد اوردوا في ديوان الخليفة المستظهر بالله كلاما ابكى العيون واوجع القلوب .. وحين لم يتمكنوا من الوصول اليه لان الحجاب حالوا ولم يبلغوا .. اقاموا في الجامع يوم الجمعة فاستغاثوا وبكوا ولطموا الخدود وبكوا وابكوا ورووا عل الناس من الحاضرين والمصلين .. ما جرى في بيت المقدس من قتل الرجال وسبي الحريم والاولاد ونهب المال .. وحين لم تصل استغاثتهم الى الخليفة قرروا ان يفطروا في رمضان وعندها علم الخليفة بذلك فقد اخبره العسعس (المخبرون) فأرسل لهم من يتحدث اليهم وحوّل الامر الى حلوان (مصر) وبلغه ان من ارسلوا اليه قد قتل فعاد اهل القدس من غير نصرة ولا قضاء حاجة.. لم يعرف الخليفة ان القدس احتلت الابعد سبع سنوات وبعد هذه الحادثة التي قادها القاضي الهروي .. وفي الشام فعل الناس مافعلوه في بغداد وخرجت النساء وصرخن وقطّعن شعورهن ورمينها في باب الحكم وقلن للسلطان'' خذ هذه الجدائل فقيّد بها خيلك ''.. استنكارا للتقاعس والضعف عن تحرير بيت المقدس .. وحتى رأت الناس ان امراء المسلمين في المدن الشامية يطلبون الموادعة والمسالمة من قادة الافرنج مقابل تزويد العدو الفرنجي بالادلاء والمؤن والهدايا والمال .. بل ان بعضهم تحالف مع قادة الفرنج المحتلين (انظر الكامل لابن الاثير) ولم يستطع المسلمون صبرا ازاء الاوضاع فخرجوا ومنهم الصوفية والتجار والفقهاء وبلغ بهم الامر ان انزلوا الخطيب عن المنبر وخاطب بعضهم الخليفة مستنكرا ''اما تتقي الله تعالى ان يكون ملك الروم اكثر حمية منك للاسلام حتى ارسل في مواجهتهم''.. وكان امبراطور الروم قد حرض الخليفة العباسي والسلطان المسلم السلجوقي لمواجهة الفرنج لان الفرنجة لم يسلموا المناطق التي احتلوها..ويومها كتب الشاعر الابيوري المعاصر لتلك الفترة يقول: ارى امتي لايشرعون الى العدى رماحهم والدين واهي الدعائم ويجتنبون النار خوفا من الروى ولا يحسبون العارضربة لازم واليوم .. القدس محتلة ومستباحة.. واهلها ممنوعون من الصلاة بحرية فيها فهل بعد اربعين سنة من الاحتلال ستتحول الى متحف يخلو من الحياة ويكون مزارا لمعرفة التاريخ فقط .. فأين الحياة العربية والاسلامية في القدس؟ .. اين دورها ومكانتها في التاريخ العربي والاسلامي؟ .. كيف يمكن السكوت على احتلالها والركون الى المنظمات الدولية والاكتفاء بترميم اماكن المقدسات فيها؟ .. يأتي يوم القدس ويمر ونحن نعد اربعين سنة من احتلالها الظالم منذ عام 1967 وما زالت اسيرة مقيدة وما زال صوت استغاثتها ونداءاتها تتجاوز الاسماع وتمر عن الاذان كالضجيج دون ان تتحرك الامة المترامية الاطراف بعربها ومسلميها لانقاذ القدس حتى المال بخلوا به واداروا ظهورهم عن دفعه .. فهجم عليها المستوطنون ليزرعوا كل شبر فيها بمستوطنات ومعسكرات ويصادروا ارضها ويقتلعوا اهلها ويهدموا بيوتها .. فالى متى؟.. ماذا يعني يوم القدس الذي يتكرر انعقاده في كل عام وكأن الأمة به تريد رفع العتب عن دورها وعن قادتها دون ان يعلم الكثيرون ان غياب الاستقرار في كل البلاد العربية والاسلامية وان اضطراب الامن والاحساس بالخذلان والخيبة والضعف من اسبابه ان القدس محتلة وهذا ما يبعث الارهاب والتطرف حين لايجري توجيه مقدرات الناس واهتماماتهم لانقاذ القدس التي يعلمون انها جزء من عقيدتهم وان فيها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .. القدس ليست متحفا ولا اثارا ولا حتى مساجد وكنائس انها كما قال الملك عبد الله الثاني الاسبوع الماضي حين التقيناه .. يهمني البعد السياسي في القدس ايضا .. فقد جرى تشكيل لجنة ملكية من اجل المقدسات وسيدعى الى مؤتمر دولي استشاري ..فلتكن هذه الخطوة هي بداية البناء القادم والرد التعريفي على خطط الاحتلال ودحرها لتعود القدس عربية وليتعلم اولادنا في يوم القدس عنها الكثير وبما يزيد عن ما تعلمه اليهود على يد الحركة الصهيونية التي بثت فيهم دعاياتها عن حقوق ما قبل ثلاثة الاف سنة.. واذا كان رؤوف ابو جابر وزكي الغول مشكورين ومقدرين قد دعوا امس الى عمل من اجل القدس في اسطنبول في تشرين الثاني القادم فليكن ذلك بداية وشمعة في ظلام الاحتلال الدامس ولتهب الامة بكل دعم مادي وسياسي ومعنوي لأهل القدس الى ان يأتي يوم تحريرها.. وجزى الله عنها كل من يعمل من اجلها لتقريب يوم خلاصها .. عن صحيفة الرأي الاردنية 8/10/2007