بات العدوان على غزة مسالة وقت من وجهة نظري لان إسرائيل لم تتعود على حل مشاكلها بالطرق التفاوضية ولا تولى الدبلوماسية مسارا مقدما على مسارات الحل العسكري , فإسرائيل لم تستخدم لهجة التهديد فقط و إنما سياسة الابتزاز مع إبقاء الخيار العسكري قائما , هنا تستخدم لهجة التهديد بهدف الحصول على ما تريد أولا دون سلاح ومن ثم تنفذ خططها العسكرية تجاه تقليم أظافر المقاومة الفلسطينية و إحداث وجع ما في خاصرة الفلسطينيين و تشتيت قوتهم السياسية و العسكرية .
إسرائيل الآن باتت تستخدم أسلوب التهديد مرة وأسلوب الابتزاز مرة أخري لكي تجبر حركة حماس و القوي المقاومة في غزة أن تستجيب إلى طلباتها أو أنها ستستخدم كل قوتها لتدمير غزة بكاملها و بالتالي تحقق أهداف ذات أبعاد إستراتيجية لإسرائيل تحت ذرائع عدم قبول الفلسطينيين للتهدئة. لعل تفويض اللجنة الوزارية الإسرائيلية المصغرة وزير الحرب الصهيوني أيهود باراك باستنفاذ الحوار مع الأخوة المصرين كوسيط مع حركة حماس يهدف إلى إرسال رسالة أيضا إلى الحكومة المصرية بعواقب ما قد تنجم عن عدم قبول الحركة بشروط إسرائيل للتهدئة.
بات حزيران 2008 أكثر حرارة من حزيران 67 لان الوقت المتاح الآن للتفكير في شروط التهدئة مع الإسرائيليين و في تجميع قوة و وحدة الفلسطينيين أصبح يعمل تحت ضغط الزمن مع أن الوحدة الوطنية الفلسطينية أصبحت اليوم على مرمي حجر و الخروج من ظلمة الانقسام بات على وشك وهذا ما سيزعج إسرائيل بالدرجة الأولى وقد يقود قادة هذا الكيان للتعجيل في توجيه ضربة قوية و موجعة لغزة قبل التهدئة أو حتى خلالها و قبل حصول الوفاق الوطني و بذلك تفسد مساعي الوفاق .
أما إن انتظرت إسرائيل نتائج الحوار الفلسطيني وأبقت رهانها قائما على فشلة فإنها بالتأكيد ستقبل بالتهدئة في غزة بأقل من الشروط المطلوبة لديها وقد تتخلي عن أهم هذه الشروط وهي إطلاق سراح الجندي المختطف شاليط في الوقت الحاضر. إن تأجيل الضربة العسكرية لغزة من قبل المجلس الوزاري المصغر لدولة الحرب جاء تأكيد لهذا التحليل حيث أبقت إسرائيل هنا الباب نصف موارب جزء منه للتهدئة و الجزء الأخر للعملية العسكرية , ومهما كانت النتائج المتوقعة للوفاق فان إسرائيل لن تستمر طويلا برسم معالم تهدئة قابلة للحياة مع حركة حماس بغزة.
لقد بات واضحا من خلال أسلوب إسرائيل في التعامل مع قضية التهدئة والمفاوضات مع الفلسطينيين و التغير على الأرض أن السلام بعيد الحدوث بين الفلسطينيين و الإسرائيليين على الأقل خلال العام 2008 كما خططت له سياسة الرئيس بوش في المنطقة وأكثر ما يدلل على هذا هو وضوح التصريحات الصادرة عن أطراف المفاوضين الفلسطينيين و الإسرائيليين .
أما توجه الرئيس محمود عباس إلى الدعوة إلى الحوار الوطني الشامل هو توجه وطني على درجة عالية من المسؤولية الوطنية لرئيس وطني يهتم بكافة قضايا الوطن وهو أيضا إدراك واع لضرورة الوفاق الوطني بين الفلسطينيين قبل الاستمرار في مفاوضات غير مجدية مع الإسرائيليين ليفسد لعب إسرائيل على المتناقضات ويؤسس لمعركة للمفاوضات التي ستكون بالتأكيد اقوي وأكثر فاعلية في ضوء الوفاق الوطني المتوقع وحتى قبل سريان التهدئة المتوقعة على الأرض.
لقد باتت إسرائيل تلعب على المكشوف وتمارس سياسة ابتزاز علنية فقد أصبح لا يعنيها الوصول إلى سلام حقيقي مع الفلسطينيين بقدر ما يعنيها إبقاء حالة الانقسام بين حركتي حماس وفتح وإبقاء وضع الرئيس أبو مازن مهزوزا و بالتالي إيجاد مبررات أمام العالم لعدم التوصل إلى هذا السلام. إن الحقيقة التي لا شك فيها الآن أن الفلسطينيين بحاجة إلى السلام أكثر من الإسرائيليين ولكن إذا ما كانت الثوابت و الحقوق الفلسطينية محققة و هنا يستطيع أي طفل فلسطيني أن يؤكد هذا قبل أن يوقع الزعماء السياسيين اتفاقا على هذا الأساس .
لقد بات المتوقع حقيقة أن تشتد الهجمة الصهيونية على قطاع غزة ولكن ليس من باب خطوات تمهيدية للعملية العسكرية الكبرى المسماة بالمحرقة الكبرى وإنما كإجراء للضغط على حركات المقاومة الفلسطينية للاستجابة إلى شروط إسرائيل للتهدئة و وصول الأخيرة لهذا بأسهل الطرق , فاليوم شهد القطاع تصعيدا جديدا وكان الانتهاك الإسرائيلي لغزة قد وصل لأكثر من مكان بالشمال و الوسط و الجنوب ومعه سقط العديد من الشهداء المدنيين .
لعل الجميع يعرف أن قطاع غزة يربك إسرائيل في حالته الفريدة من نوعها وما يربكها أكثر هو التقارب الفلسطيني الفلسطيني و توحيد الجبهة الفلسطينية وهذا من شانه أن يفسد كافة خطط إسرائيل إلا واحدة وهي التعامل مع غزة بالبارود و النار لتكون المحرقة الكبرى .