سباق تسلح وحرب باردة نواف ابو الهيجاء ماحدث بين موسكو وجورجيا - اوسيتيا الجنوبية وابخازيا - وما قام به حلف شمالي الأطلسي (الناتو) من رد فعل إزاء الدور الروسي - ليس هو فصل الخطاب. الحقيقة ان النهاية التي آلت اليها الضغوط الاميركية الشديدة على بولندا والتي أسفرت عن إبرام الاتفاقية التي تسمح للولايات المتحدة بنشر الدرع الصاروخية على الاراضي البولندية هي التي بجب التوقف عندها طويلا - وانتظار ردود الافعال القادمة - من روسيا الاتحادية ومن سواها على المستوى العالمي بأسره. كانت روسيا حذرت أكثر من مرة، وطوال السنوات الأربع الماضية، من مغبة قبول بولندا نشر الدرع الصاروخية على أراضيها اذ ان موسكو تعتبر الإجراء (معاديا وخطيرا يهدد أمن روسيا الاتحادية). ومن المفارقات المثيرة ان (وارشو) هي التي ابرمت الاتفاقية وهي - أي وارشو - كانت مقر واسم الحلف الذي انهار بانهيار القطبية الدولية - انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. كان العالم منقسما آنذاك بين حلفين بارزين كبيرين وخطيرين. الاول: حلف شمالي الاطلسي (الناتو) والثاني حلف (وارشو)، الاول للمعسكر الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة ، والثاني للمعسكر الشيوعي - الشرقي، بقيادة الاتحاد السوفيتي. بانهيار الاتحاد السوفيتي انهار حلف وارشو. ليست مصادفة اذا ان تركز الولاياتالمتحدة على بولندا - انها في موقع جغرافي يعتبر الخاصرة المكشوفة لروسيا الاتحادية. لذلك تتالت ردود الفعل الروسية، من الرئيس ميدفيدف الى رئيس الوزراء بوتن الى وزير الخارجية لافروف. كلها قالت ان الخطوة تعتبر مؤشرا على سباق التسلح او حقبة جديدة تشعل اوار سباق التسلح من جديد، الى جانب انها بداية مؤكدة لعودة اجواء الحرب الباردة - بما يعني احتمال تشكل كتلة دولية جديدة في مواجهة الولاياتالمتحدة وحلف الناتو - اذ ان واشنطن وبلسان وزيرة الخارجية اكدت ان جورجيا واكرانيا ستنضمان الى الحلف.. ما يزيد من التوتر - وبخاصة بعد ان بادرت روسيا الى تجميد تعاونها مع الحلف - أي حلف الناتو. السياسة الاميركية الهوجاء والمصممة على (جعل القرن الحادي والعشرين اميركيا فقط) وما انتجته فترة (الاحادية القطبية) في العالم من حروب واحتلالات واضطرابات ومن فروض وافتراضات ومآس واملاءات قادتها الادارة الاميركية الحالية جعلت العالم يتطلع الى انتهاء عصر الاحادية القطبية، ليستعيد العالم شيئا من التوازن يحد من جموح الادارة الاميركية المبهور بالقوة والعظمة - التي غرها وجودها على القمة دون منازع فبطشت وظلمت وهددت وقررت وفرضت عقوبات اقتصادية وسياسية ومن جانب واحد على نحو ثلث دول العالم. ليس غريبا اذا ان تبدأ مرحلة تشكل او تكون البديل المطلوب، البديل الذي يعني تكوين قطب او اكثر يسهم في تحجيم العدوانية الاميركية ويحد من العربدة الاسرائيلية التي وصلت الى المشاركة العلنية في التحريض ضد روسيا - ودفع تبليسي الى الورطة التي هزت صورة سكاشفيلي، وفضحت الموقف الاميركي على أصوله : العجز عن دعم الحليف الجورجي الا بما قيل انه (مساعدات انسانية). عن صحيفة الوطن العمانية 24/8/2008