احداث الحادي عشر من ايلول والخلط بين المقاومة المشروعة والارهاب فؤاد دبور شكل الارهاب ظاهرة من ظواهر الاضطراب السياسي ، وقد اصبح مصطلح "الارهاب" متداولا في الخطاب السياسي خاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول التي طالت مؤسسات اقتصادية وعسكرية في الولاياتالمتحدةالامريكية ، حيث قامت في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء الحادي عشر من ايلول من عام م2001 طائرة مدنية امريكية مخطوفة بشن هجوم على مركز للتجارة العالمية في مدينة نيويورك وبعد ذلك بدقائق هاجمت طائرة مدنية اخرى مركزا اخر في نفس المدينة وفي الوقت نفسه قامت طائرة ثالثة بمهاجمة مبنى البنتاغون (وزارة الدفاع) في العاصمة الامريكيةواشنطن مما جعل قضية الارهاب ومفهومه تطغي على النقاشات والمداولات السياسية في العالم اجمع . لا سيما ان الادارة الامريكية بقيادة الرئيس جورج بوش انتهجت سياسة الرد الانتقامي على هذه العمليات الارهابية وأقامت تحالفات دولية من اجل ذلك حيث اعتبرت ان الارهاب يهدد امن الشعب الامريكي واستقراره مثلما يهدد امن شعوب اخرى مما جعلها تصوغ لنفسها شن الحروب ضد دول وجماعات تختارها بذريعة انها إرهابية . وجاء في مقدمة الجهات المستهدفة العرب والمسلمون حيث اعتبرتهم الادارة الامريكية ومعها الحركة الصهيونية مصدرا للارهاب والإرهابيين وقد تجسد هذا الاستهداف عبر الحروب التي شنتها الادارة الامريكية على أفغانستان والعراق والتهديدات والحصارات على سورية وايران بحجة مساندة الارهاب وفي شن الحروب العدوانية الصهيونية والأمريكية على المقاومة في فلسطين ولبنان عسكريا وسياسيا عبر استخدام مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرارات ضد المقاومة اللبنانية والفلسطينية ويأتي في مقدمتها القرار رقم 1559 لعام 2004 كما تجسد هذا الامر ايضا في تحالف واضح بين الادارة الامريكية والحكومات الصهيونية بقيادة الارهابيين شارون واولمرت تحت عنوان "محاربة الارهاب" وهما معا يشكلان الحليفين الاكثر ممارسة للارهاب في العالم. حيث ارتكب الحليفان مجازر دموية وأعمال قتل وبطش وارهاب في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان ولبنان والصومال وغيرها من دول العالم واتخذ الحليفان من احداث الحادي عشر من ايلول غطاء لتنفيذ مخططاتهما ومشاريعهما الاستعمارية المتمثلة في استخدام طاقاتهما العسكرية والسياسية والمادية ونفوذهما للسيطرة على الوطن العربي ومقدراته وثرواته الطبيعية وممارسة الضغوط على العرب لجعلهم يتقبلون هذه المشاريع دون اعتراض او مقاومة. وان كان الخطاب السياسي لهذين الحليفين "الشريكين" لم يكن وليد احداث الحادي عشر من ايلول بل شكلت هذه الاحداث انعطافات اساسية كي ينخرط هذا الخطاب في السلوك الأخطر في التعامل مع القضايا الدولية بعامة وقضايا المنطقة بخاصة لا سيما ان حكومة الارهابي شارون قد انتهزت وقوع هذه الاحداث وما انتجته من أجواء مشحونة بغضب الشعب الامريكي لتحويل الغضب الى كراهية للعرب والمسلمين ودفع الادارة الامريكية لشن هجمات ضد ما يسمى ب"الارهاب" وبالتحديد ضد دول ومنظمات عربية وإسلامية في مقدمتها المقاومة الفلسطينية واللبنانية وجعل الادارة الامريكية تنتهج سياسة معادية للمقاومة التي تواجه الاحتلال وتدافع عن الشعب والحقوق المشروعة ووصفتها بالارهاب بينما وصفت ارهاب الصهاينة الذين يرتكبون المجازر الدموية البشعة ضد الشعب العربي في فلسطين ولبنان دفاعا عن النفس وقد تجلت مواقف الادارة الامريكية في كل المشاريع التي طرحتها لحل الصراع العربي - الصهيوني حيث ركزت على ضرب المقاومة والإجهاز عليها وتفكيكها والاتجاه نحو حل هذا الصراع بالوسائل والأساليب السياسية في الوقت الذي دعمت فيه ممارسة الحكومات الصهيونية لكل اساليب القتل والاغتيال والاعتقال والبطش والارهاب وهدم المنازل ضد شعبنا الفلسطيني واللبناني. كما تبنت الادارة الامريكية مبدأ يقوم على اعتبار العمل النضالي لمقاومة الاحتلال ارهابا يتوجب وقفه ومحاربته واعتقال ومحاكمة من يقومون به ووصفت منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الاسلامي وكل فصائل المقاومة الأخرى بمنظمات إرهابية مما يتطلب وفرض الحصارات عليها وملاحقة قياداتها وأعضائها والعمل على تجفيف مصادر تمويلها حتى لو كان هذا التمويل يذهب للجمعيات الخيرية التي تعني بالحاجات الضرورية للإنسان. وفي هذا الإطار المتعلق بالمقاومة ودعمها في لبنان وسورية وفلسطين بشكل خاص فإننا نتساءل: أوليس الارهاب الحقيقي هو الذي يتمثل بمساعدة المعتدي الذي يقتلع شعبا آمنا من أرضه وتدمير منازله وانتهاك حرماته وتدنيس مقدساته وقتل أطفاله ونسائه واغتيال عشرات الآلاف من أبنائه واعتقال آلاف اخرى وحصاره وتجويعه وتشريد الملايين من هذا الشعب بعيدا عن وطنه أليس هذا هو الارهاب الحقيقي وان من يمارسه هو ارهابي بامتياز؟؟ ام ان "الارهابي" هو الشعب المقاوم الذي يدافع عن أرضه ومقدساته وحقوقه ويقاوم الاحتلال وممارساته؟؟والإجابة حسب الفهم الامريكي للارهاب بأن الذي يتعرض للاحتلال والتشريد هو الارهابي ، والقاتل الذي يرتكب المجازر الدموية إنما يدافع عن نفسه ، لان تعريف الارهاب عند الادارة الامريكية يرتبط بالباعث والهدف والفاعل وطغيان القوة الغاشمة ولذلك من المؤكد ان احداث الحادي عشر من ايلول الارهابية قد شكلت علامة فارقة في تاريخ الارهاب والتوجهات السياسية للإدارة الامريكية نحو العالم بعامة ومنطقتنا بشكل خاص وذلك نظرا للنتائج الخطيرة التي نتجت عن هذه الاحداث . ولكن من غير المقبول ان توظف الادارة الامريكية ومعها الحركة الصهيونية هذه الاحداث لشن حروب والاقدام على احتلالات لدول والحاق اكبر الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية والقيام بتدمير مؤسسات وزرع الفتن بين ابناء الشعب الواحد بدافع الانتقام. كما انه من المرفوض تماما إقدام الادارة الامريكية على تقديم الدعم لأنظمة استعمارية عنصرية احلالية ومساعدة جماعات تقوم بأعمال عنف ضد حكومات وطنية في الوقت الذي تقف فيه ضد حركات التحرر الوطني التي تناضل من اجل طرد الاحتلال عن ارضها وتحقيق اهداف شعبها في الحرية والاستقلال. كما ان انتهاج الادارة الامريكية لسياسة الخلط المتعمد بين المقاومة المشروعة والارهاب هو دعم للارهاب والإرهابيين ، وقد تمثل هذا الوضع في دعم وإسناد الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب الذي قام اصلا على الارهاب والذي لا يزال الارهاب يمثل احد المقومات الفكرية الأساسية للحركة الصهيونية واهم الأساليب التي اتبعتها لتحقيق هدفها الأول المتمثل في إقامة كيانها الغاصب في فلسطين العربية على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين واقتراف هذه الحركة لأبشع انواع البطش والقتل والارهاب. ونقول ، لقد واجهت سياسة الادارة الامريكية الخارجية التي اعتمدتها بحجة مكافحة الارهاب اخفاقات كبيرة في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وسورية والسودان والصومال مثلما واجهت معارضة قطاعات شعبية واسعة في دول الغرب بعامة وفي صفوف الشعب الامريكي بخاصة لان هذه السياسة كانت من صنع مجموعة عسكرية الطابع انتهجت سياسة الحروب الاستباقية وخلق الفوضى "الهدامة" جعلت العالم يعيش حالة من الرعب غير مسبوقة في التاريخ المعاصر. عن صحيفة الدستور الاردنية 10/9/2007