حقا انها فوضى خلاقة فؤاد دبور انتهجت الإدارات الامريكية ، وخاصة ادارة الرئيس جورج بوش الأب ، بعد حرب الخليج الثانية عام م1991 سياسة بناء نظام عالمي جديد بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية ، وركزت اهتمامها على منطقتنا التي تطلق عليها "الشرق الأوسط" نظرا لأهميتها الاستراتيجية حيث وجود المادة الحيوية الهامة "النفط" التي تجعل من يتحكم بها انتاجا وتسويقا وتسعيرا قادرا على حسم المنافسة مع الدول الصناعية وكذلك فإن موقع هذه المنطقة الجغرافي يجعلها عقدة المواصلات بين مختلف القارات ، هذا إضافة الى سبب خاص بالولاياتالمتحدةالامريكية يتعلق بوجود الكيان الصهيوني الأداة الاستخدامية من اجل منع المشروع النهضوي العربي والابقاء على الامة مجزأة مفككة ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن ثرواتها والنفطية منها بخاصة. وقد قامت ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بتنفيذ هذه السياسة عمليا موظفا احداث الحادي عشر من ايلول عام م2001 بذريعة حماية امن الولاياتالمتحدة ومحاربة "الارهاب" ومواجهة انتاج أسلحة الدمار الشامل وكانت هذه الذرائع وراء غزو أفغانستان عام 2001 ، وشن حرب عدائية على العراق عام م2003 اعتمادا على القوة العسكرية والاقتصادية ، مثلما كانت وراء نشر الفوضى والتوتر وعدم الاستقرار في هاتين الدولتين وغيرهما من دول المنطقة. حيث رسم المحافظون الجدد ، وهم مجموعة صغيرة العدد كبيرة التأثير والنفوذ هذه السياسة لا سيما انهم استطاعوا الوصول الى مركز صناعة القرار في الولاياتالمتحدةالامريكية نظرا لتحكمهم بمؤسسات مالية وصناعية واعلامية رئيسية من جهة ولما لهم من علاقات مع مفاصل عسكرية رسموا الخطط استنادا الى قناعتهم بأن الحروب الاستباقية ونشر الفوضى "الخلاقة" والتوتر وعدم الاستقرار وفرض الحصارات وإشعال نيران الفتن بين ابناء الشعب الواحد السياسة الاكثر فائدة للولايات المتحدةالامريكية وركز هؤلاء نشاطهم وتنفيذ خططهم في منطقتنا خصوصا وذلك خدمة للحركة الصهيونية وكيانها الغاصب نظرا لطبيعة العلاقة التي تربطهم بالمنظمات الصهيونية في الولاياتالمتحدةالامريكية وبخاصة منظمة "ايباك" وتنفيذا لهذه المخططات والسياسات تم تقسيم العالم الى محاور خير واعتدال (الدول التي تتعاطى ايجابا مع سياساتهم) ودول شر وارهاب (الدول التي لا تتساوق مع هذه المخططات) وعليه تمت الحروب وممارسة الضغوط والحصارات على كورية الشمالية بذريعة انها دولة نووية وحشد الاساطيل والبوارج الحربية في الخليج العربي وتهديد ايران والمنطقة كلها بحرب تشعل المنطقة بأسرها ويطال لهيبها العديد من دول العالم التي تعتمد على النفط في صناعاتها وحاجاتها اليومية. واستنادا الى هذه السياسات يتم تقسيم لبنان بين موالاة تستجيب لسياساتهم ومعارضة ترفض الاستجابة وتتمسك بعروبة لبنان مما دفع بالإدارة الامريكية لشن حرب ضدهم طالت كل لبنان في الثاني عشر من تموز عام م2006 ، عرف العالم كله نتائجها وتجهد الادارة الامريكية لإشعال حرب اهلية تقسيمية في لبنان واستنادا الى مخططات المحافظين الجدد وغيرهم في الادارة الامريكية تحاك مؤامرات احداث الاقتتال في فلسطين بين ابناء الشعب الذي يقاوم الاحتلال وتمارس كل الأساليب من اجل تقسيم الفلسطينيين بين سلطة مقبولة في الضفة الغربية وأخرى (إرهابية) في قطاع غزة ، وتنفيذا لهذه السياسات تجري الاحداث الدموية في السودان والصومال وتمارس الضغوطات والحصارات على سورية ومحاولات خلق فتن في أماكن اخرى من اقطار الوطن العربي والعالم الإسلامي وذلك لان الادارة الامريكية والمحافظين الجدد بشكل خاص يربطون بين الاحداث الجارية في هذه الأقطار ربطا بنيويا باعتبارها احداثا متداخلة. ان هذا السلوك للدولة الأقوى في العالم يظهر خطورة ما تتضمنه مشاريعها وخططها التي تعتمد التفكيك الدولي والاقليمي والقطري عبر تنفيذ استراتيجية الحروب ونشر الفوضى الخلاقة ، على حد تعبيرهم ، وهذه النظرية التفكيكية التي وضعها المحافظون الجدد تزداد شراسة وإمعانا في القتل لمواجهة الازمات التي وجدوا أنفسهم يغرقون فيها بدلا من المواجهة الموضوعية السليمة بالتخلي عن سياسة الاحتلال والقتل والتدمير ، ويتجهون نحو المزيد من خلق الفتن وإنزال المزيد من التجزئة في القطر الواحد وهذا ما يظهر جليا وبوضوح في العراق حيث يعملون على تقسيمه الى جنوب ووسط وشمال (شيعة ، وسنة ، واكرادا) وكذلك هو الحال في فلسطين ولبنان وغيرها من دول المنطقة تحت عنوان (الشرق الأوسط الجديد) ، مثلما يأتي هذا السلوك ليؤكد حقيقة الدور الامبريالي للإدارة الامريكية وما تبقى من المحافظين الجدد فيها. كما يأتي ايضا تأكيدا على ان هذه الادارة تمثل اكثر الدوائر عدوانية في الولاياتالمتحدةالامريكية حيث تواجه سياساتها بمعارضة شعبية واسعة هي الاكثر ايضا في تاريخ امريكا ، خاصة وان هذه المعارضة قد جاءت ردا على سياسة الحروب التي انزلقت إليها مما الحق خسائر باهظة بالشعب الامريكي بشريا واقتصاديا وسياسيا ومعنويا ، كما تخشى منظمات الشعب الامريكي وأحزابها وكبار السياسيين فيها ان تنزلق هذه الادارة وتزج الشعب والبلد في حرب باهظة التكاليف في المنطقة لا مصلحة حقيقية للشعب الامريكي فيها. ونقول ، ان الأوضاع السائدة في المنطقة بعامة وفي اقطار عربية بخاصة ما هي الا رسائل موجهة للعرب مضمونها مشاريع ومخططات امريكية - صهيونية تهدف الى إنزال المزيد من التجزئة بأقطار الوطن العربي وهذا الخطر الداهم يرتب على العرب ، كل العرب ، بناء الموقف العربي الواحد القادر على مواجهة هذه المخاطر وبكل الوسائل التي يملكها العرب وهي كثيرة ويأتي في مقدمتها قوة التوحد واستخدام الثروة النفطية ذاتها التي تأتي في مقدمة أسباب استهداف العرب والمنطقة. مثلما نؤكد على ان مثل هذه المواجهة تحتاج الى تضافر الجهود الشعبية لكل الأحزاب والفئات والمنظمات الحريصة على امن الامة ومصيرها حاضرا ومستقبلا. وأخيرا ، ان ما تتعرض له المنطقة نتيجة سياسة الفوضى الخلاقة يجعلنا نقول ، نعم انها فوضى خلاقة ، تخلق الحروب والعدوان والصراعات والنزاعات والفتن والتوتر وعدم الاستقرار تخلق التجزئة والتفتيت وإشعال نيران الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية وينتج عنها القتل وتلحق الخراب والدمار بالجميع. عن جريدة الدستور الاردنية 30/7/2007