دولة فلسطين.. قاب قوسين أو أدني.. ولكن! د. أحمد يوسف القرعي تخطئ الإدارة الأمريكية ومعها حكومة اسرائيل لو اعتقدتا ان اعلان قيام الدولة الفلسطينية مرهون بموافقتهما فقط, حيث لاتملك واشنطن أو تل أبيب منح صكوك قيام دولة ما أو إسقاطها, فالاسم الفلسطيني محفور بأزمير التاريخ علي كل الخرائط العالمية وبمختلف اللغات منذ أوائل القرن العشرين وقبل وعد بلفور( عام1917) وقبل اعلان قيام اسرائيل في غفلة من الزمن الرديء( عام1948). ويكفي الاشارة الي ان أول منظمة دولية بعد الحرب العالمية الأولي وهي عصبة الأمم قد أقرت عام1920 في وثائق الانتداب الدولي علي المستعمرات ان الشعب الفلسطيني من أول الشعوب الواعية والقادرة علي حكم نفسها بنفسها, وجاء هذا الاقرار الدولي الصريح للشعب الفلسطيني بينما كانت الأقليات اليهودية أشتاتا منبوذة في مشارق الأرض ومغاربها أيا كان الأمر, فإن الزمن الرديء قد فرض قرار الأممالمتحدة رقم181(29 نوفمبر1947) لتقسيم أرض فلسطين التاريخية وقيام دولتين عربية وعبرية, وارتكبت الجامعة العربية في سنواتها الأولي خطأ لم يتم تصحيحه حتي الآن وهو عدم إعلان قيام الدولة الفلسطينية كمرحلة أولي وفقا للقرار181 ثم مواصلة المطالبة بكامل أرض فلسطين التاريخية, ولا يزال القرار181 ساريا ويوفر شروطا للشرعية الدولية لضمان حق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال واعلان دولته وفقا للحدود الموضحة في القرار والتي تجاوزتها اسرائيل واستباحتها مع ملابسات حرب1948, ثم حرب1967 وتداعياتها. يعني هذا ان هناك مسئولية قانونية علي الأممالمتحدة نحو الشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة, فعندما صدر القرار181 عام1947 لم تقم الأممالمتحدة بما ينبغي القيام به نحو تأمين قيام الدولة الفلسطينية, كما لم تقم الأممالمتحدة بعد ذلك وطوال60 عاما(1947 2007) بالاشراف الدولي المباشر علي ما يجري علي تلك الأراضي الفلسطينية من انتهاكات صارخة ومستمرة, ولم تفعل الأممالمتحدة في فلسطين عام1948 كما فعلت في الكونغو عام1960 عندما حدث فراغ أو انهيار إداري مفاجئ بسبب سحب حكومة بلجيكا المفاجئ لجميع موظفيها وإدارييها, وعندئذ تدخلت الأممالمتحدة وملأت الفراغ في الكونغو حتي يتحقق الاستقلال في جو من الاستقرار, وتكرر مثل هذا الموقف في ناميبيا حيث أنشأت الأممالمتحدة مجلس الأممالمتحدة لشئون ناميبيا منذ عام1967 ليكون السلطة الشرعية لإدارة الاقليم ولمواجهة الفراغ الذي استحدثته حكومة جنوب افريقيا العنصرية( آنذاك).. ولكن لم تتحقق مثل تلك الآلية الدولية علي أرض فلسطينالمحتلة رغم ان شعب فلسطين كان مؤهلا للاستقلال قبل شعب ناميبيا, الذي حصل بالفعل علي استقلاله عام1990 بينما فلسطين لاتزال تراوح مكان ها في قبضة الاحتلال الاسرائيلي. تلك مقدمة طالت بعض الشيء لتؤكد بالوقائع التاريخية والمرجعيات الدولية أن مبدأ حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني يظل دون غيره من المبادئ جوهر الحل وأساسه الأول والأخير أيا كان شكل ومضمون التسوية السلمية لقضية الصراع العربي الاسرائيلي منذ صدور القرار242 في نوفمبر1967, وعلي سبيل المثال فإن حل القضية الذي قدمته اللجنة المعنية بممارسة الشعب العربي الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف( وهي احدي لجان الأممالمتحدة) قد تضمن اسلوبا تنفيذيا يصلح أكثر من خريطة الطريق لاتخاذه أساسا يقوم عليه الحل السلمي العادل والدائم لقضية هذا الشعب, ولقد صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنوات علي ما قدمته اللجنة وهي تحاول تحقيق حق تقرير المصير علي ارض الواقع بالعمل علي تنفيذ حق العودة أولا ثم اقرار حق تقرير المصير والاستقلال والسيادة الوطنية للشعب الفلسطيني في سياق7 خطوات مترابطة يمكن اختصارها فيما يلي: (1) وضع جدول زمني من قبل مجلس الأمن للانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية (2) توفير قوات دولية مؤقتة لحفظ السلام, إذا اقتضي الأمر (3) عدم إقامة مستوطنات جديدة وإزالة المستوطنات القائمة (4) التزام اسرائيل بأحكام اتفاقية جنيف (5) قيام الأممالمتحدة بتولي أمر الأراضي التي يتم الجلاء عنها بالتعاون مع الجامعة العربية (6) فور قيام الكيان الفلسطيني المستقل اتخاذ ترتيبات دولية لإقامة سلام عادل ودائم في المنطقة. (7) قيام الأممالمتحدة بتوفير المساعدات الاقتصادية والتقنية اللازمة لدعم الكيان الفلسطيني. ويبدو واضحا ان تلك الخطة التي أقرتها الأممالمتحدة منذ سنوات تمثل أول سيناريو دولي يمكن ان يحقق علي ارض الواقع وضع حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني موضع التنفيذ وبينما يتفق هذا السيناريو مع مبادرة السلام العربية في مبادئه ومضمونه وغاياته, فإنه يختلف مع خريطة الطريق الأمريكية التي تتلاعب بالثوابت والمرجعيات وفي مقدمتها قضية القدس. ولعل هذا العرض الموجز يؤكد حق تقرير مصير الشعب الفلسطيني, وبمقتضي هذا الحق يعلن استقلاله في الموعد الذي يراه... أو تعلن الأممالمتحدة من جانبها اعلان الدولة الفلسطينية وقبول انضمامها عضوا كامل العضوية في المنظمة الدولية. ومع توقع انعقاد مؤتمر الخريف الذي دعا اليه الرئيس بوش في منتصف نوفمبر المقبل لدفع عملية السلام فإن التوقعات المرجحة محاولة الضغط الأمريكي علي الطرفين لقبول تسوية متوازنة لاترقي الي سقف الحقوق الفلسطينية أو الاطماع الاسرائيلية. عن صحيفة الاهرام المصرية 6/9/2007