الصيف والحرب لؤي حسين «هذا العام، وربما أشهر من هذا العام ستحدد مصير ومستقبل المنطقة، وربما العالم كله»، هذا ما قاله الرئيس السوري بشار الأسد، رئيس دولة محورية في أغلب الصراعات الدائرة في المنطقة، خاصة الصراعات المتولدة مباشرة عن الوجود الإسرائيلي. ففي هذه الفترة تعلو وتخفت خبريات حول إمكان استئناف المفاوضات السورية الإسرائيلية لإنهاء الصراع بين الدولتين، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراض سورية. وهذا الأمر ليس جديدا بل هو دائم التواتر منذ توقفت هذه المفاوضات أواخر عهد الرئيس السابق حافظ الأسد. غير أن الحديث عن المفاوضات يترافق في هذه الفترة مع أخبار أخرى، غابت منذ مدة طويلة، تتحدث عن إمكان نشوب حرب بين سوريا وإسرائيل في هذا الصيف، الذي انقضى اكثر من نصفه. ويعتمد المحللون في ترجيح احتمال نشوب مثل هذه الحرب على مؤشرات عسكرية وتسليحية عديدة من قبل الجانبين، وعلى اتهام كل منهما الآخر بالنية بمهاجمته، برغم التصريحات العديدة التي يحاول كل منهما التأكيد أنه لن يكون البادئ بالحرب، مع تأكيده على الاستعدادات للرد على أي هجوم من الطرف الآخر. ففي حين يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت: «إسرائيل ليست معنية بالحرب، ووجهتنا ليست الحرب مع سوريا، ومع ذلك فإن الجيش وإسرائيل مستعدان لمواجهة أي موقف، وعلينا التشديد على عدم رغبتنا في أن تولد هذه الجهوزية أي سوء فهم في الجانب الثاني»، يقول فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري: «سوريا لا تريد الحرب وإسرائيل تعرف ذلك، وسوريا تستعد لأنها عرفت ولمست أن إسرائيل تريد أي ذريعة من أجل شن الحرب»، مضيفاً: «يجب أن نكون على استعداد لرد أي عدوان إسرائيلي». لكن المحللين يجدون لدى الطرفين مصالح في حرب محدودة: فالإسرائيليون يحتاجون إلى حرب تعيد لهم اعتدادهم الحربي الذي فقدوه في حرب تموز 6002 ضد حزب الله، أو خدمة لمصالحهم المشتركة مع الولاياتالمتحدة التي تريد إضعاف إيران من خلال ضرب حليفتها الأهم. أما السوريون، بحسب هذه التحليلات، فيحتاجون لمثل هذه الحرب لتحريك مسار التفاوض مع إسرائيل، لحاجتهم الماسة الى تحقيق تقدم على هذا الصعيد يمكّنهم من الخروج من عزلتهم الدولية، أو خدمة لتحالفهم مع إيران التي تضغط عليهم لشن هذه الحرب لحاجتها لإيقاع أي هزيمة بالولاياتالمتحدة وحليفتها إسرائيل. ومع أن بعض المحللين لاحظوا مؤخرا استقلالا للموقف السوري عن الموقف الإيراني وتمايزا عنه في ما يخص الموضوع الإسرائيلي، إلا أن هذا لا يلغي مصلحة إيران الكبيرة في تفاقم الصراعات الإقليمية، خاصة في مواجهة التحالف الإسرائيلي الأميركي، فقد يخفف عنها الضغط الغربي ويتيح لها تدخلا أكبر في المنطقة العربية تكريسا لمسعاها لتتبوأ موقعا مسيطرا في المنطقة. لكن ليس هذا فقط هو العامل المصيري الذي يشير إليه الرئيس السوري في قوله أعلاه، أو الذي أشار إليه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بقوله إننا أمام «صيف ساخن»، أو الذي حذر منه المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية آلون ليئل حين اعتقد أن أمام إسرائيل ثلاثة أشهر للتفاوض مع سوريا... وإلا فلا خيار إلا الحرب. فإضافة الى هذه الإشارات وإضافة لاستحقاقات أخرى تتزامن مع نهاية هذا الصيف ونهاية هذا العام، لا تقل أهمية بالنسبة لسوريا برغم كونها ذات علاقة غير مباشرة بالموضوع كانتخابات الرئاسة اللبنانية والمحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هناك الاجتماع الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي يشكل تهديدا لحالة سوريا الصراعية مع إسرائيل. فالرئيس الأميركي استبعد سوريا من هذا الاجتماع ليس تأجيلا للملف السوري لجولة مفاوضات قادمة، وليس لقناعته بأنه في مقدرته المضي قدما في حل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين من دون سوريا، بل بقصد معاقبتها والضغط عليها للقبول بشروط إدارته في قضايا عديدة ليست جميعها في لب الموضوع الإسرائيلي، وأهمها بات الآن هو فك تحالفها الاستراتيجي مع عدوته الرئيسية إيران. يرجح هذا أن تكون الغاية من هذا الاجتماع ليس حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وإنما بلورة محور «دولي» في مواجهة المحور الإيراني السوري الذي يشمل حزب الله وحركة حماس، في محاولة لتفكيك هذا المحور وإضعاف إيران الطامحة لزعامة المنطقة، والرافضة لأي حل سلمي بين الفلسطينيين والعرب عموماً وإسرائيل، التي يرى الرئيس الإيراني ضرورة إزالتها من الوجود. وهذا ما يجعل من الاجتماع الدولي بصيغته الراهنة مساهمة جديدة لتوتير المنطقة، أكثر من أن يكون محاولة لحل مشاكلها وتهدئة توترها. وقد بدأت بعض ملامح هذا التوتر بالظهور من خلال الاتهامات الجريئة التي تبادلها مؤخرا نائب الرئيس السوري مع المسؤولين السعوديين. هذه الأجواء هي التي تزيد في احتمالات نشوب حرب بين سوريا وإسرائيل، بغض النظر عمن يمكن أن يكون البادئ بها، وبغض النظر عما يقال عن محدوديتها وبأنها ستكون من قبل سوريا على غرار ما فعله حزب الله في حرب تموز الماضية، وأن تقتصر على هجوم صاروخي على المستوطنات في إسرائيل لدفع أولمرت ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الى القبول بالمفاوضات لإعادة الجولان، حتى لو اقتضى ذلك حرب استنزاف. وإن هذه المحدودية لمثل هذه الحرب منبعها أن إسرائيل لن تسمح لنفسها بإسقاط النظام السوري خشية استبداله بنظام متطرف، بل ستكتفي بالضغط على القيادة السورية لإرغامها على الانفكاك عن المحور الإيراني والتوقف عن دعم حزب الله وحركة حماس، كيما «تتأهل» للتفاوض. لكن هذه الحرب المتوقعة، التي تزيد أسهمها مع انقضاء الصيف والاقتراب من نهاية العام، شأنها كأغلب الحروب، لا يمكن التكهن بمدتها وحدتها واتساع رقعتها وتبعاتها، خاصة أن أطرافا إقليمية عديدة (من بينها الجيش الأميركي في العراق والخليج العربي) يمكن أن تشارك فيها عبر ساحاتها أو الساحات الحليفة، ما سيدفع بالمنطقة إلى مزيد من الدمار والصراعات. وبالتالي يتوجب على جميع القادة تحمل مسؤولياتهم والعمل على منع اندلاع هذه الحرب. ومن ذلك قيام الإدارة الأميركية بدعوة جادة للقيادة السورية للمشاركة في الاجتماع الدولي الذي دعا إليه الرئيس بوش، وأن تستجيب لرؤية ونصائح أطراف عربية وغربية ومن بينها جهات أميركية إضافة لتركيا، وأن تقتنع بأن عزل سوريا وعدم مراعاة مطالبها لن يسهلا التوصل إلى سلام إسرائيلي فلسطيني، بل سيساهمان في عدم استقرار المنطقة على وجه الإجمال. عن صحيفة السفير اللبنانية 27/8/2007