ابعد مما تتكلم فتح وحماس ... عنه! محمد خرّوب يجب أن لا يأخذنا الغضب، الشجب والادانة، لحال الفلتان والاستعمال غير المبرر للسلاح، تحت دعاوى الشرعية الثورية والاخرى التي يصفونها بالانقلابية، عن التفكير ببرود وهدوء في الحال البائسة التي انتهى اليها المشروع الوطني الفلسطيني، على يد كل من حركة فتح ومنافستها حركة حماس.. اذ ليس ما آلت اليه الاوضاع في قطاع غزة في الرابع عشر من حزيران 2007، هو فعلاً محصلة انقلاب ارادت من خلاله حركة حماس، التي شعرت أن انتصارها المدوي في انتخابات كانون الثاني قد تمت سرقته من قبل حركة فتح، التي لحقت بها هزيمة قاسية في انتخابات التشريعي.. كما انه ليس صحيحاً، وليس هناك من يمكن ان له ان يقبل تبريرات حركة حماس، أو قل الحكومة المقالة، أو لنفترض أن الشرطة المقالة (كما جاء في العنوان الرئيسي لصحيفة القدس المقدسية)، هي التي واجهت عائلة حلس في حي الشجاعية بغزة وأجبرتها على الاستسلام أو الفرار الى اسرائيل... وقائع الايام والشهور التي تلت سيطرة حماس على مقاليد الامور في غزة منذ عام ونيف، اثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، ان هذه الحركة لا تؤمن بالديمقراطية ولا مقاربة لديها تطرحها سوى استخدام السلاح واجبار المنافسين أو الخصوم على الاستسلام، تحت طائلة التصفية وهدر السلام والحقوق الانسانية والشخصية. ليس في ما نذهب اليه محاولة للانتصار للحركة المنافسة فتح التي لا تقل سوءاً وفساداً وافساداً، وطالما لجأت الى تصفية خصومها او اغتيالهم معنوياً او تشويه سمعتهم وابعادهم وابقائهم تحت سيف الابتزاز وتجربة الشعب الفلسطيني مع هذه الحركة الأم التي فجّرت الثورة الفلسطينية المعاصرة وكان لها قصب السبق في التعبير عن الهوية الوطنية الفلسطينية وقيادة نضاله وبالتالي اعادة وضعه على خارطة الاقليم كقضية سياسية وحقوق وطنية وهوية وتقرير المصير بعد ان عاش طويلاً (بعد النكبة) لا يحمل غير صفة اللاجئ الذي لا يستحق اكثر من العطف والاغاثة وبعض الطبابة وقامت من أجل تشغيله مؤسسة دولية اطلقوا عليها اسم وكالة الاممالمتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين واختصروها في خمسة احرف انجليزية (UNRWA) وخلت من حرف (P) وما تزال تعمل كأطول الوكالات المتفرعة عن الاممالمتحدة عمراً والتي تكاد ان تكون في عمر المنظمة الام وهي مرشحة للاستمرار عشرات السنين ما دامت ترعى وتضبط ايقاع مخيمات اللجوء وتحول او هي تنتظر المصير الذي سينتهي الى القرار 194 او حق العودة الذي باتت ثلة من الفلسطينيين وبعضهم داخل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير يرون في تنفيذ حق العودة او التمسك به ضرباً من ضروب الخيال وعدم الواقعية والاحلام الرومانسية التي لا تليق بموازين القوى الراهنة او تسهم في اقناع اسرائيل بالنزول عن الشجرة العالية التي صعدت اليها. عودة الى فتح وحماس. حركة حماس بتجريدها الحملة العسكرية الشرسة على حي الشجاعية بهدف اجتثاث نفوذ عائلة حلس المتهمة حمساوياً بانها تؤمن الحماية للمتهمين بعملية الشاطئ التي أدت الى سقوط خمسة من مقاتلي حماس وطفلة فلسطينية، وايضا الزعم بان عائلة حلس تمارس ممارسات المافيا وتشكل رعبا للمجاورين ولا تلتزم القانون وهي محسوبة سياسياً وعسكرياً على فتح ثم لاحقاً (وبعد سحق تمرد العائلة) القول انه تم اكتشاف اماكن لتصنيع العبوات الناسفة ومخازن اسلحة ثقيلة كالدوشكا وال أر بي جي . تكون (حماس) قد وضعت نفسها نهائياً في الضفة الاخرى المقابلة لكل الفصائل والحركات والاحزاب الفلسطينية التي لم تكن تلتقي وفتح في وجهات النظر السياسية والايديولوجية، بل انها (الحركات والفصائل الاخرى)، كانت اكثر قسوة في انتقادها لسلوك وممارسات ومقاربات فتح، حتى وهي في اوج قوتها وعندما كانت تقودها شخصية بحجم ومكانة وكاريزمية ياسر عرفات، فيما كانت حماس (في ذلك الوقت) تقود مشروعاً نقيضاً آخر يثير الريبة والشكوك ويبعث على التساؤل عن التوقيت والاهداف التي سعت حماس (الجديدة والطالعة من رحم جماعة الاخوان المسلمين، التي لم تشارك ذات يوم في النضال المسلح الفلسطيني وحتى السياسي الا من مواقع لا تلتقي حتى لا نقول معادية مع ميثاق منظمة التحرير الذي لقي اجماعاً فلسطينياً عز نظيره حتى الان). لجوء حماس الى السلاح لتصفية خصومها، افقدها أي تعاطف معها حتى من قبل اولئك الذين ما يزالون حتى اللحظة يرون في مشروع فتح/ السلطة الراهن خطراً على البرنامج الوطني الفلسطيني، وتنازلاً مجانياً اقرب الى الاستسلام والتخاذل، امام عدو متغطرس استعماري واحلالي لا يريد ولا يرغب ولا يوافق على قيام دولة فلسطينية ولن ينسحب من القدس، وهو لا يؤمن بشيء اسمه حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حتى لو نفذت السلطة/ فتح كل شروطه واشتراطاته، وحتى لو سلمته المفاتيح والبوابات والمعابر والاجواء والموانئ، ووضعت ضابط ارتباط في وزارة او دائرة او قسم من ادارات السلطة، شرطتها مخابراتها وكل اجهزتها القمعية التي تتفوق اجهزة حماس على قمعها وتنكيلها بخصومها، كما كل افراد الشعب الفلسطيني الذي جرّب حكم الحركتين فوجد ان لا اختلاف جوهرياً يذكر، لا في العقلية القمعية ولا في انتهاكات حقوق الانسان ولا في اللجوء الى القتل والتعذيب والاهانات وهدر الكرامات، وخصوصاً في احتكار الحقيقة والوطنية ووصم الاخرين بالخيانة والتخاذل والاستسلام، الا انهما ? وهنا يجب بالحقيقة ? في انهما تزايدان على بعضهما في التودد الى اسرائيل وابداء الاستعداد لتقديم كل التنازلات المطلوبة من اجل نيل الاعتراف واستبعاد الاخر.. خسرت حماس كثيراً بعد تحريرها الثاني لحي الشجاعية والحاق الهزيمة بعائلة حلس، ولم يعد من الممكن القبول بتبريراتها حتى لو كان المرء يشاركها رأيها في حركة فتح، الا انها اثبتت نجاحها وبامتياز في الكشف عن قناعها الاخير كحركة قمعية لا تتردد في استخدام السلاح، بل هي تمنح الاولوية لمقاربة كهذه لتحقيق اهدافها ولا مجال لتصديق ادعاءاتها بالايمان بالديمقراطية والتعددية وتداول السلطة على نحو سلمي.. المشروع الوطني الفلسطيني في دائرة الخطر الشديد الآن.. من ينقذه من الانهيار قبل فوات الاوان؟ عن صحيفة الرأي الاردنية 4/8/2008