الأميركيون والمأزق العراقي علي محمد الفيروز تحقق حلم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عند توقيعه على مشروع قانون ينص على توفير مئة مليار دولار لتمويل حرب العراق بعد مواجهة شرسة استمرت أربعة اشهر بينه وبين الكونغرس الذي يسيطر على غالبية مقاعده الحزب الديموقراطي، اذ ان المشروع الجديد لا يتضمن جداول زمنية للانسحاب من العراق. ولكنه يحتوي على الكثير من التوصيات والارشادات على سياسة الحكومة العراقية التي يجب ان تفي بها، ولكن في الوقت نفسه تعهد الحزب الديموقراطي المعارض بالاستمرار على نهجه في المطالبة على ارغام الرئيس بوش في يوم ما باعادة القوات الأميركية الباقية في العراق إلى أوطانهم بأي شكل من الأشكال بعد مقتل ما يقارب ال 3420 جندياً أميركياً من ضمن القوات واصابة الكثيرين. وفي ظل تهديدات الحزب الديموقراطي جاء على الخط الآخر الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر ليجدد بعد اختفائه عن الأنظار مطالبته في خروج قوات الاحتلال أو جدولة الانسحاب من العراق، مؤكداً ان الحكومة العراقية الحالية غير مخولة بتمديده مرة أخرى! وقد جاء ذلك اثناء خطبته في مسجد الكوفة أمام العشرات من المصلين ليعزز موقف المطالبين بالانسحاب . خصوصاً بعد التوقيعات التي جمعت عدداً كبيراً من النواب والمعارضين من الشعب على االمسودة التي تطالب القوات بالرحيل والتظاهرات المليونية التي تطالب بضرورة جدولة انسحاب القوات الأميركية بعد ان وصل الأمر إلى حدوث مصادمات بين جيش المهدي وقوات الجيش والشرطة العراقيين معاً، وقد أكد الصدر ان الصدامات يقف وراءها المحتل الأميركي ليخلق منها ذريعة «البقاء»! وعلى منبر الخطابة أمام اكثر من ألف مصل حرّم الزعيم الصدر أي اقتتال داخلي بين الاخوة في جيش المهدي من الشرطة والجيش العراقيين، وحثهم على اللجوء نحو الطرق السلمية والمفاوضات حتى لا يسيل المزيد من اراقة الدماء، ثم طالب الزعيم الصدر الاخوة السنة في العراق بالتعاون معه من أجل العراق في جميع الأصعدة وقال بأن المحتل الأميركي لايفرق بين العراقيين! في حين تتهم القوات الأميركية جيش الصدر بالمشاركة في أعمال طائفية وعمليات انتحارية داخل العراق! الا ان موقف الانسحاب المبكر وخفض القوات الأميركية في العراق ليس من رغبة الحكومة العراقية حالياً، لذا حث وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري واشنطن وبريطانيا بالذات على الوقوف بوجه الضغوط الداخلية والخارجية والابقاء على اعداد قوات بلديهما في العراق بما ان هناك تقدماً ملحوظاً بالعراق منذ بدء الحملة الأمنية الأخيرة، وقد تمنى زيباري من رئيس الوزراء البريطاني المقبل غوردون براون على عدم التراجع في القرار تلبية للضغوط كونه من مؤيدي المهمة العسكرية في العراق ومن مؤيدي ارساخ مبدأ الديموقراطية في العراق، اذاً المواقف مختلفة والآراء في تضارب بين ما يقوله الصدر وبين طموحات ممثل الحكومة العراقية هوشيار زيباري! ورغم معارضة البعض من النواب العراقيين وأفراد المعارضة على بقاء القوات الأميركية داخل العراق الا ان وزير خارجيتها يؤكد أن بلاده تحقق تقدماً مستمراً ومهماً، وهي في طور تولي شؤونها الأمنية، لكنها بحاجة إلى تأييد سياسي قوي ، وأن تزايد الضغوط على واشنطن وبريطانيا وأوروبا لا يعني ان الوقت مناسب لخفض القوات والفرار من المسؤولية . وقال زيباري امام وزير خارجية استراليا ورئيس وزرائها «ان الوقوف مع الشعب العراقي واجب انساني كونكم ساعدتموه على النهوض والتحرر من الانغلاق الصدامي»، وهي رسالة يطلقها زيباري للعالم عبر القارات بعد ان انخفض عدد قوات التحالف داخل العراق نتيجة من الانفلات الأمني وحالة عدم الاستقرار،ناهيك عن فقدان الكثيرين من قوات التحالف بسبب العمليات ضدهم وانتشار فكرة مقاومة الاحتلال الأميركي أو الأجنبي بين اطياف الشعب العراقي. فالحكومة العراقية تطلب من واشنطن وبريطانيا وباقي الدول انقاذ ومساعدة العراقيين على ادارة أمن العراق بشكل أفضل، ولكنها لم تضع برنامجاً زمنياً يحدد الانسحاب الكامل من العراق، وهذا ما اعطى فرصاً لناشطين سياسيين في كل دول العام بأن يطالبوا بوقف الحرب في العراق، وقد قام هؤلاء بتظاهرات جماعية ضد العمل العسكري داخل العراق منذ عام 2003، فالجميع يعلم ان سياسة بلير وسياسة بوش بالعراق في سبيل الحرب ضد الإرهاب قد اضرت السياسة التنموية والسياسة الاقتصادية في العراق، وقد أكد تقرير جديد لمجلس الشيوخ الأميركي ان وكالات الاستخبارات المركزية الأميركية قد حذرت ادارة بوش قبل الحرب ضد العراق من ان الحرب سوف تكون فاشلة، واحتمالات نشوب حالة من الفوضى والمخاطر عقب الغزو الأميركي للعراق، ناهيك عن استغلال تنظيم «القاعدة» وايران ظروف الغزو الأميركي لتوسيع نفوذهما في المنطقة، الا ان الرئيس بوش ومساعديه الجمهوريين قد تجاهلوا هذا التقرير الاستخباراتي! وقد وصف الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر ادارة بوش بأنها الأسوأ في التاريخ في مجال العلاقات الدولية، وندد برئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي سوف تنتهي ولايته بسبب علاقته الموالية كثيراً لبوش رغم الفشل السياسي، وشبهها بالعلاقة البغيضة والعمياء! وقال كارتر ان اتحاد بوش وبلير في تقديم الدعم الكافي للعراق ادى إلى اطالة أمد الحرب وزاد المأساة الانسانية! وانتقد سياسة بوش بقوله: «ان بوش قام بتخل راديكالي عن سياسات كل الادارات السابقة في عزمه على دخول الحرب في العراق وشبه سياسات بوش في العراق على انها تفتقر إلى الحكمة والعقل» وفي انتقاد آخر وصف الزعيم الكوبي فيديل كاسترو في مقال صحافي ان شخصية الرئيس بوش شخصية كارثية، وكتب ذلك حينما تابع مناقشات الكونغرس الأميركي وشاهد تباهي بوش في الفوز وكسب المعركة ضد خصومه من أجل الحصول على مئة مليار دولار لمضاعفة عدد الجنود الأميركيين الذين سوف يرسلهم إلى العراق كما يريد ان يفعل، وذلك في سبيل مواصلة «المجازر» في حين ان مشاكل المنطقة لم تنته وتتفاقم يوماً بعد يوم». ان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يقلل من أهمية التكهنات في شأن تحقيق تقدم سريع في العراق، ولكن الرئيس جورج دبليو بوش يعتقد ان سبتمبر سيشهد لحظة مهمة لتقويم مدى نجاح استراتيجيته في العراق، فشهر سبتمبر المقبل سوف يقدم قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس تقريره المفصلي عن التقدم الذي احرزه بعد تنفيذ استراتيجية بوش القاضية نحو ارسال تعزيزات عسكرية من 28 الف عسكري للعراق وسط تشاؤم كبير يسيطر على غالبية الأميركيين عن نهاية الحرب في العراق، وقد جاء ذلك في استطلاع للرأي العام في شبكة «سي بي اس» التلفزيونية وصحيفة «نيويورك تايمز» التي اعتبرت ان غزو العراق عام 2003 كان خطأ فادحاً، وهذا يعني ان «رياح القيادة تجري بما لا تشتهيه سفن الشعب الأميركي». الرأي العام الكويتية 2/6/2007