الجزائر تقرر مزيداً من الإجراءات لحماية اقتصادها الجزائر: أعلنت الحكومة الجزائرية عن استكمال سلسلة من الإجراءات الحمائية لاقتصادها وأموالها التي بدأتها العام الماضي وسط سخط من بعض الدول التي استفادت كثيراً في العقد الأخير من مشاريع تنمية ضخمة وغير مسبوقة فاقت قيمتها 400 مليار دولار، فضلاً عن برنامج خماسي آخر 2010 - 2014 خصصت له الجزائر 286 مليار دولار لاستكمال المشاريع المتعطلة وتنفيذ مشاريع أخرى شملت المجالات الإستراتيجية. وقد صادق مجلس الوزراء الجزائري برئاسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على التعديلات التي أدخلت على المرسوم الرئاسي المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، بهدف تحقيق ثلاث غايات هي تيسير اجراءات الموافقة على الصفقات العمومية في كنف الشفافية وزيادة الشفافية في تسيير الأموال العمومية وفي تعزيز أدوات الوقاية من الفساد ومحاربته وترقية مشاركة المؤسسات والانتاج الوطنيين في تلبية الطلب العمومي بحسب بيان مجلس الوزراء. وفى هذا الصدد، قال بشير مصطفى، أستاذ الإقتصاد في جامعة الجزائر لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا":" إن الجزائر خسرت قرابة 50 مليار دولار في العقد الأخيرة جراء تسامحها مع الشركات الأجنبية التي قامت إن صح القول بتهريب هذه الأموال كأرباح إلى الخارج بدل إعادة استثمارها في الجزائر". وأوضح مصطفى أن الحكومة الجزائرية تسامحت في الفترة ما بين 2000 - 2010 من خلال برنامج الإنعاش الإقتصادي ثم برنامج دعم النمو كثيراً مع الشركات الأجنبية التي منحت لها امتيازات واسعة جداً ليس فقط بخصوص المشاريع على حساب القطاع العام والخاص في الجزائر بل على مستوى الأرباح التي لم تكن تستثمر مرة أخرى، والتي كانت تحول إلى بلدانها الأصلية خارج إطار بنك الجزائر". وأشار الخبير الإقتصادي إلى أن أرباح الشركات التي قاربت 50 مليار دولار "حولت إلى الخارج كأرباح من القطاعات الكبيرة، كالمحروقات والنقل والتجارة الخاريجية وتهيئة الموانئ والمطارات، معتبراً هذا الرقم هو الذي دفع الحكومة الجزائرية لإعادة النظر في الوضع الحالي لمناخ الإستثمارات العمومية، وذلك من خلال 3 آليات، الأولى تخص القرض السندي، وهو أن تمر كل المشاريع عبر البنوك الجزائرية بما يتيح للحكومة بمراقبة أبسط التفاصيل المالية المتعلقة بالخصوص بالشركات الأجنبية والشركات العمومية الجزائرية، والثانية من خلال تعديل قانون الإستثمار، والثالثة التي صادق عليها مجلس الوزراء الأحد الماضي. وتوقع أن يلجأ الرئيس الجزائري إلى استعمال صلاحياته لتكون المحاسبة بخصوص كل المشاريع التي ستنفذها الشركات الأجنبية والعمومية والخاصة كل 6 أشهر للنظر في مدى تنفيذ وسلامة تنفيذ الإستثمارات العمومية بالنظر إلى حجم الإستثمارات المقبلة المقدرة ب 286 مليار دولار حتى العام 2014. واعتبر الخبير الإقتصادي أن المرسوم الأخير سيمكن القطاع الخاص الجزائري باعتبار أن الصفقات العمومية كانت تمنح في السابق للقطاع العام أو الشريك الأجنبي، سيستفيد من الشفافية في منح الصفقات. وتوقع أن يتقلص حجم الشركات الأجنبية في السوق الجزائرية إلى ما بين 10 و25% بسبب التعديلات الأخيرة على قانون الصفقات العمومية، خاصة في قطاعات هامة كالطرق والبناء، لكنه اعتبر أن الخدمات عالية التكنولوجيا وصناعة الدواء وجزء من قطاع المحروقات لن يتأثر بالتعديلات الجديدة باعتبار أن الجزائر بحاجة أكثر إلى المؤسسات الأجنبية في هذه المجالات. وأشار إلى أن المؤسسات الأجنبية ستتأثر سلباً بخصوص تحويل أرباحها على الخارج بالنظر إلى القيود المفروضة على تحويل الأموال إلى الخارج من طرف بنك الجزائر الذي سيفرض مبدأ تحويل جزء هام من هذه الأرباح إلى إعادة استثمارها في الجزائر. وبهذا الخصوص، صادق مجلس الوزراء الأحد الماضي على مشروع مرسوم تنفيذي ينص على إجبارية اللجوء إلى العملة الكتابية "شيكات أو بطاقات بنكية" بالنسبة لكل دفع يفوق 500 ألف دينار مايعادل5 آلاف دولار. وقال الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة بخصوص التعديلات الجديدة:" إن البرنامج الخماسي (2010 - 2014 وغلافه 286 مليار دولار) الذي يهدف أول ما يهدف إلى ترقية التنمية البشرية وتدعيم هياكلنا القاعدية الأساسية سيحظى بمزيد من الإلتفاف الشعبي بفضل تنفيذه بشفافية بعيدا عن التبذير وعن كافة أشكال الإختلاس". وأضاف: أن هذه النفقات العمومية ستكون تأمينا مفيدا لمستقبل البلاد بإسهامها في تنمية قدراتنا الإنتاجية وتعبئة مشاركة الشركاء الأجانب في تحديث مؤسساتنا العمومية والخاصة وذلك هو بالذات كل ما ترومه مراجعة قانون الصفقات العمومية وتتوخاه. ودعا بوتفليقة "الأجهزة المكلفة بالرقابة وعلى قطاع القضاء أن يسهروا على التصدي لأي مساس بالأموال العمومية ومعاقبة من يقترفه". من جانبه، اعتبر الصحفي الجزائري المختص في الشئون الإقتصادية، جلال بوعاتي، ل"شينخوا" أن لجوء الجزائر إلى مزيد من التشديد والضبط للإستثمارات، يرجع إلى تجربة المخطط الخماسي الماضي، بحيث إن "الحكومة لم تستطع ضبط النفقات واضطرت في عدة مناسبات الى اعادة تقييم قيمة وكلفة المشروعات التي وقعت بشأنها عقودا فازت بها شركات أجنبية تبين في ما بعد أنها تحصلت عليها بفضل ثغرات في قانون الصفقات وتورط فيها مسئولون جزائريون هم الآن رهن التحقيقات القضائية تمهيدا لمحاكمتهم قريبا". وقال بوعاتي: إن التعديلات المنشورة في بيان مجلس الوزراء، اعترفت بشكل ضمني بأن الحكومة الجزائرية كانت ضحية نزيف مالي أتى على مليارات الدولارت في مشروعات لم تستلمها بعد على الرغم من تجاوز الآجال القانونية المحددة في عقود الصفقات المبرمة، ومن ذلك مشروع الطريق السريع، الذي يربط شرق الجزائر بغربها غرب على مسافة 1216 كيلو مترا بتكلفة بلغت 11 مليار دولار، ومشروعي ميترو وترامواي مدينة الجزائر العاصمة بالاضافة إلى مشاريع الإسكان والمياه. وقد أعرب منتدى أرباب العمل الجزائريين "رجال الأعمال" في بيان صدر أمس الأول عن ارتياحه إزاء الاجراءات التي أقرها مجلس الوزراء، معلنا تأييده "للتوجه الاقتصادي الذي يصبو إليه رئيس الجمهورية والمتمثل في بناء اقتصاد سوق متوازن بعيدا عن الليبرالية والمضاربة". ونوه المنتدى بما وصفها بالقرارات الجريئة المتعلقة برفع الهامش التفضيلي المعترف به للمؤسسات المحلية من 15 إلى 25% وإلزام المؤسسات الاجنبية الراغبة في الحصول على صفقات عمومية بالجزائر بابرام شراكة مع مؤسسات جزائرية، مؤكداً أنه "ينتظر ترتيبات عملية لتنفيذ الاجراءات التي تم الاعلان عنها".