كشف تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" عن حدوث ارتفاع أعداد من يعانون من نقص الأغذية علي مستوي العالم بنحو 75 مليون نسمة ليبلغ إجماليهم 923 مليون نسمة، وذلك نتيجة الارتفاعات التي شهدتها أسعار المواد الغذائية خلال الفترة من 2003 وحتى 2007. وأكد التقرير الذي صدر تحت عنوان " حالة انعدام الأمن الغذائي في عام 2008" أن الأسعار الدولية للأغذية بلغت ذروتها منتصف 2008، بعد سنتين من زيادات سريعة، ما دفع المجتمع الدولي إلى تسخير طاقاته لتجنب أزمة عالمية وشيكة في مجال الأمن الغذائي. وأوضح التقرير الذي أوردته صحيفة "الحياة" اللندنية أن الارتفاع الشديد في أسعار الأغذية أدي إلى حدوث أكبر زيادة في معدلات الجوع منذ عام 1990-1992، وهي فترة الأساس بالنسبة إلى أهداف مؤتمر القمة العالمي للأغذية ومؤتمر قمة الألفية المتعلقة بخفض الجوع، وأدت الزيادة الحادة في معدلات الجوع إلى عكس مسار ما تحقق من تقدم في ما يتعلق ببلوغ الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية حيث ازدادت نسبة من يعانون من نقص التغذية في جميع الأقاليم النامية الرئيسية في العالم. وتشير تقديرات المنظمة أن إنتاج الحبوب في البلدان النامية –مع استبعاد أكبر البلدان وهي البرازيل والصين والهند- قد ينخفض بنسبة 1.6 % في 2008، ويرجع عدم استجابة الإمدادات من البلدان النامية إلى ارتفاع أسعار الأغذية على هذا النحو إلى أسباب من بينها ارتفاع أسعار المدخلات والافتقار إلى مرافق البنية التحتية الأساسية ونقص البحوث والتكنولوجيا، وقلة الحصول على الائتمانات. ويري التقرير أنه يتعين اتخاذ تدابير قصيرة وطويلة الأمد للتصدي للتأثيرات المدمرة لارتفاع أسعار الغذاء علي الفئات الأكثر ضعفا والحد من احتمالات حدوث أزمة غذاء في المستقبل. فتلك الأسر هي الأكثر تعرضا لانعدام الأمن الغذائي وتحتاج إلي مساعدات عاجلة لزيادة قدرتها علي الحصول علي الأغذية أو إنتاجها. ويتعين توفير الحماية الاجتماعية لها وحصولها علي قدر كاف من المدخلات حتى يتمكن صغار المزارعين من زيادة الإنتاج والدخل. ويتعين في المدي الطويل تعزيز قدرة القطاع الزراعي علي الاستجابة إلي ارتفاع أسعار الغذاء من خلال تدابير لزيادة الإنتاجية بما في ذلك زيادة فرص الحصول علي الأراضي والمياه والتكنولوجيا وبلوغ الأسواق ومرافق البنية التحتية والحصول علي الائتمانات. وأفاد التقرير أنه في سبتمبر الماضي انخفض الرقم الإشاري لدي "فاو" لأسعار الحبوب إلي 228 نقطة أي أنه انخفض 18 % عن المستوي المرتفع الذي بلغه في ابريل لكنه أعلي 10 % مما كان في الفترة ذاتها من 2007. وأوضح التقرير أن السبب وراء هذا الانخفاض يرجع إلي المحاصيل القياسية التي تحققت والظروف المناخية التي كانت مواتية بيد أن الآثار المترتبة علي الاضطرابات المالية الأخيرة ربما تكون أدت هي الأخرى إلي هذه النتيجة. ومع ذلك فان من الخطأ الفادح أن يؤدي الانخفاض الذي شهدته الأسعار الدولية للأغذية في الفترة الأخيرة إلي صرف الانتباه عن ضرورة تكثيف الجهود لزيادة الإنتاجية الزراعية. فأولا لا تزال الأسعار مرتفعة في كثير من أسواق البلدان النامية, وثانيا أن الزيادة السكانية المتوقعة في العالم والنمو الاجتماعي والاقتصادي سيضاعفان من الطلب علي المواد الغذائية بحلول 2050. وأكد التقرير أنه لمواجهة هذه التحديات من دون إحداث ضغوط شديدة علي أسعار الأغذية سيتعين زيادة غلة الحبوب في البلدان النامية بنسبة 40 % وستزيد الاحتياجات من مياه الري بنسبة تصل إلي 50 % وقد يحتاج الأمر إلي توفير ما بين 100 و 200 مليون هكتار من الأراضي. وأوضح التقرير أنه في الوقت الذي يتصدى العالم للآثار المترتبة على ارتفاع أسعار الأغذية كان عليه أن يواجه تحديات أخرى مهمة تتمثل في الأزمة المالية، وآثار تباطؤ الاقتصاد التي قد تتعرض لها البلدان النامية، والصراعات القائمة وتغير المناخ، ولم تكن الحاجة إلى اليقظة وإلى المتابعة المستمرة لأكثر البلدان والسكان ضعفا أكثر مما هي الآن. ولذلك ينبغي أن تظل الحاجة إلى استئصال الجوع في العالم، وإلى تعزيز نمو الإنتاجية الراعية في صدارة جدول أعمال التنمية. وكان الدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية قد وصف أزمة الارتفاع الحاد لأسعار المواد الغذائية بأنها "الأسوأ" منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وأكد البرادعي في تقريره الذي وزعته الوكالة الذرية أن اكتساب أزمة الغذاء طابعاً عالمياً هو أمر غير مسبوق في العصر الحديث, مشيرا إلى أن العديد من العائلات والأفراد في مختلف أنحاء العالم يعانون من قلة الحصول على الأغذية. وفي معرض تقديمه أهم ما جاء في أحدث تقرير أعده نخبة من كبار الخبراء في الوكالة الذرية ومسئولون في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" تحت عنوان "العلوم النووية في خدمة الأمن الغذائي" شدّد البرادعي على أنه لإيجاد حلول مستديمة على المدى البعيد لأزمة الغذاء علينا أن نستغل كافة الموارد المتاحة واختيار المحاصيل. وأشارت وكالة أنباء الإمارات إلي أن البرادعي اعترف بأن العالم تقاعس عن تهيئة ما يحتاج إليه هذا العالم من دعم واستثمار لتطبيقه على شكل شمولي الأمر الذي يستدعي ضرورة إحياء تكنولوجيات تحسين المحاصيل الزراعة لمساعدة العالم على التخلص من آفة الجوع. وأوضح أن الوكالة الذرية ومنذ إنشائها قبل ستة عقود من الزمن وبالاشتراك مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو" ساعدت الدول الأعضاء على إنتاج المزيد من الأغذية ذات الجودة المحسّنة والأمان المعزّز, وبفضل درايتها في ميدان تحسين السلالات النباتية وخصائصها الوراثية فإنها تساعد البلدان في كافة أنحاء العالم على تحقيق مُخرجات زراعية معزّزة باستخدام التكنولوجيا النووية. ودعا البرادعي دول العالم إلى زيادة الاستثمارات في التقنية المخصصة لتحسين السلالات الزراعية والنباتية لأنها تساهم في دعم الجهود الرامية إلى مساعدة الملايين من البشر في الافلات من براثن الجوع والفقر.