في كتابه "المستبد العادل" الصادر مؤخرا عن المجلس الأعلى للثقافة يروي د.محمد عفيفي أنه في مايو 1899 أرسل الإمام محمد عبده إلى مجلة الجامعة العثمانية مقالاً تحت عنوان "إنما ينهض بالشرق مستبد عادل"، ويركز الإمام في مقاله القصير، على التدرج في مشروع الإصلاح، حيث يرى أن الإسراع بالأخذ بالنظام النيابي دون تهيئة الناس على كيفية تقبله ربما يؤدي إلى انتكاسة خطيرة، ويرى أن التدرج هو سنة الحياة. ووفق صحيفة "العرب" القطرية يبدأ الإمام مقاله القصير وينهيه أيضا بطرح هذا التساؤل "هل يعدم الشرق الإسلامي كله مستبدا من أهله عادلاً في قومه، يتمكن به العدل أن يصنع في 15 سنة ما لا يصنع العقل وحده في 15 قرنا". في حين يرى أحمد لطفي السيد أن نموذج المستبد العادل ما هو إلا حلم غير واقعي، تلجأ إليه الأمة في لحظات الضعف، وأنه ليس إلا "أمنية يتمنونها لمثل أعلى"، ويعترف لطفي السيد بتعثر التجربة الليبرالية في الشرق، وبطء الحكومات النيابية، إلا أنه لا يجد حلاً ناجعاً لهذه الحالة التي تردى إليها الشرق إلا بالخروج: "من حكومة الاستبداد إلى الحكومة النيابية أو حكومة الأمة". ويعتبر ناصر هو النموذج المجسد لحلم المستبد العادل، حيث أنشأ ناصر المجالس شبه الديمقراطية كهيئة التحرير، والاتحاد القومي، وصولاً إلى الاتحاد الاشتراكي. ولم يكن عبدالناصر يؤمن بجدوى مجلس الأمة، برلمان ذلك الزمان، بل فضل أن ينشئ تنظيماً سرياً، هو "التنظيم الطليعي" ليكون نواة "حزب الثورة" عندما يأتي الأوان، وتنتهي المرحلة الانتقالية، وتعود الديمقراطية من خلال التصور الناصري، بنشأة حزبين من رحم الثورة، أحدهما في السلطة والآخر في المعارضة. يصف عبدالناصر الدولة والنظام بعد هزيمة 67 قائلاً: "إن مشكلة الدولة الآن أنها إقطاعيات، إقطاعية الجيش، إقطاعية الاتحاد الاشتراكي، إقطاعية مجلس الأمة، إقطاعية الحكومة، ولن يتسنى لأحد السيطرة على هذه الإقطاعيات إلا أنا، ولذلك رأيت أن أرأس الوزارة بنفسي حتى أقضي على هذه المشكلة القبلية". هكذا يعترف عبدالناصر بفشل نظام ما قبل يونيو 67، ولكنه يظل أميناً لفكرة المستبد العادل والزعامة.