من أهم الكتب التى صدرت فى العام الماضى كتاب «المستبد العادل» لأستاذ التاريخ الدكتور محمد عفيفى، وهو من مؤسسى حركة «المؤرخون الجدد فى مصر» الذين يعيدون قراءة تاريخ مصر والعالم العربى دون الاستسلام للمقولات السائدة فى تفسير وقائع التاريخ، وإنما بإعادة النظر فيها بعيداً عن الأيديولوجيات التى تفرض أحكاماً مسبقة، وبأسلوب علمى يجمع بين منهجية أستاذ الجامعة وشجاعة المفكر الوطنى الحر الذى ينظر إلى الماضى من واقع الحاضر، ومن أجل مستقبل أفضل للشعب الذى ينتمى إليه. الكتاب الذى صدر عن المجلس الأعلى للثقافة فى 47 صفحة من القطع المتوسط، ومثلها أو أكثر من الوثائق، يذكرنى بكتاب مماثل أصغر حجماً أصدره الدكتور محمد مندور بعد أيام من ثورة 23 يوليو بعنوان «رسالة إلى المواطن» لم يطبع من جديد مع الأسف، وفقدت نسختى منه، التى قدمها لى الدكتور مندور -رحمه الله- بنفسه عندما كنت طالباً أدرس على يديه فى النصف الأول من ستينيات القرن الميلادى الماضى. كان كتاب بيان مندور تأييداً لثورة الجيش قبل أن تسمى ثورة، وتحذيراً من أن تقوم بإلغاء الأحزاب والديمقراطية بحكم قيادتها العسكرية، وفى لحظة تاريخية مماثلة يصدر عفيفى كتابه البيان ليحذر من استمرار الإيمان بفكرة المستبد العادل فى القرن الحادى والعشرين كبديل عن دولة المؤسسات، وهى خلاصة التاريخ فى عصرنا، ولا أقول نهاية التاريخ. يرجع عفيفى فكرة المستبد العادل إلى مقال للإمام محمد عبده نشر فى مجلة الجامعة العثمانية عام 1899، أى فى نفس عام توليه دار الإفتاء فى مصر، وكان عنوانه «إنما ينهض بالشرق مستبد عادل»، ليس فى مواجهة الأخذ بالحياة النيابية، وإنما أن يكون حكمه بهدف إعداد الشعب لهذه الحياة!! ويلاحظ عفيفى بحصافة من لا يكف لحظة عن إعمال العقل أن محمد عبده رغم أنه من شيوخ الإسلام لم يستند إلى أى مقولات دينية فى مقاله من القرآن أو الحديث ولا حتى من التاريخ الإسلامى، أى أنه يتحدث فى السياسة بمعزل عن الدين، كما يلاحظ أنه ربما تأثر بدور نابليون فى تاريخ فرنسا أو بسمارت فى تاريخ ألمانيا. ويوضح عفيفى ببساطة وعمق وإيجاز- وهى سمات متلازمة لأى نص - بيان كيف واجه أحمد لطفى السيد فكرة المستبد العادل فى مصر، ويرى أن الحضور الباطش للغرب بحكم القرب الجغرافى للعالم العربى مع أوروبا أدى إلى الربط بين الليبرالية والتغريب والإصلاح والاستعمار، مما أدى إلى فشل التجربة الليبرالية فى مصر، ولكن هل فشلت هذه التجربة حقاً أم قمعت بقوة السلاح؟! ■ سقط سهواً فى عمود «صوت وصورة» الخميس الماضى أن المقال بأكمله رسالة من المخرج محمد كامل القليوبى حول فيلمه «نجيب الريحانى - فى ستين ألف سلامة». [email protected]