بعد وفاته بشهور، أصدرت دار الشروق الطبعة الرابعة من كتاب عبد الوهاب المسيري "من هم اليهود وما هي اليهودية أسئلة الهوية وأزمة الدولة اليهودية " والذي كانت طبعته الأولى قد نشرت عام 1997 بعنوان "من هو اليهودي?". يقول المسيري في مقدمة كتابه "من هو اليهودي؟" إن الصهاينة الدينيين والصهاينة العلمانيين دخلوا في صراع حول تحديد هوية من هو اليهودي. ما الذي يعطي اليهودي يهوديته "هل هو التطور التاريخي والتراث اليهودي والانتماء العرقي، أم إنه الاختيار الإلهي والتاريخ اليهودي المقدس؟". ومن الطبيعي أن يتشظى الخلاف السابق ليطرح عشرات التداعيات حول من هو اليهودي، خاصة وأن اليهود توزعتهم حضارات تاريخية وجغرافية ومذاهب مختلفة، فضلا عن الطموحات السياسية لكل منهم في الدولة الوليدة إسرائيل. ووفق فضائية "الجزيرة" يتعقب المسيري في كتابه إحدى أهم الهويات التي صاغها اليهود الغربيون، وأكثر تحديدا هوية يهود أميركا ويطلق عليها اسم "الهوية اليهودية الجديدة". ويرى أنها تغذت من الحضارة الغربية وذابت فيها من جهة وحافظت على بعض التميز من جهة أخرى. لكنه تميز ينتمي في يهوديته إلى المظهر والقشرة لا إلى المخبر والجوهر. وبيان ذلك أن العالم الغربي خضع بعد القرن التاسع عشر لعملية ضخمة من العلمنة وتراجعت فيه العقيدة المسيحية، حتى أصبحت مجتمعاته تدور حول مبدأي اللذة والمنفعة، وحول الإنسان الطبيعي بما يمثله من جسم وحاجات اقتصادية. فهي مجتمعات لا ترى اليهودي باعتباره قاتل المسيح أو عدو الإله، وقد يثرثرون عن التراث اليهودي المسيحي، ولكن الإنسان بالنسبة لهم في التحليل الأخير هو الإنسان الاقتصادي المنتج والمستهلك، والإنسان الجسماني الباحث عن المتعة، وإن اهتم بالدين فلا يخرج اهتمامه به عن هذا الإطار. ووجد اليهودي نفسه في هذه البيئة العلمانية وانخرط فيها، وانعتق من يهودية ما قبل القرن التاسع عشر، وتطلق بعض الدراسات المتخصصة على هؤلاء اليهود الجدد "يهود ما بعد مرحلة الانعتاق". والأميركيون اليهود هم أهم وأكبر قطاعات هؤلاء اليهود العتقاء الجدد، إذ يشكلون 90% منهم، ويمثلون جماهير الصهيونية ويؤثرون في صنع القرار الأمريكي. أما يهود أوروبا فهم آخذون في التلاشي باستثناء فرنسا التي هاجر إليها يهود المغرب.