اللاوندي يرصد هموم جيل مغترب في شوارع باريس محيط – شيرين صبحي "أصبح البرج ملاذي الذي ألجأ اليه كل فترة، واعتدت أنا ورفاقي أن نلتقي هناك بموعد أو بدون موعد.. نهرب اليه من ضوضاء الحياة الباريسية لنجد الهدوء والراحة في الحديقة الممتدة بجوار البرج".. هذه بعض كلمات الدكتور سعيد اللاوندي التي جاءت بكتابه "ثرثرة تحت برج إيفل.. هموم جيل مغترب" والذي تم مناقشته بمعرض القاهرة الدولي للكتاب ضمن ندوات "كاتب وكتاب" بحضور الكاتب عزازي علي عزازي والدكتور أحمد وارث واميل أمين. يوضح الكاتب عزازي علي عزازي أن الموضوع يتعلق بالعلاقة مع الغرب وتحليل أوضاعنا الثقافية وفكرة الاحتكاك العنيف والحاد بين ثقافة العالم الثالث والغرب. ويعلق أن العنوان خادع ومراوغ لانها ليست محض ثرثرة والكتاب ينطلق من مقولة شهيرة للفيلسوف نيتشه وهي "نحن لا نتحرر إلا من خلال التذكر". والكتاب يندرج تحت فن السيرة الذاتية ويقترب من المنطقة الوسطي بين الأدب والتاريخ ويذخر بالومضات ذات الطابع الإنساني. يقول الدكتور سعيد اللاوندي الذي أقام لمدة 20 عاما باريس: كان لزاما أن أسال نفسي هل يمكن أن أعيش كل هذه الفترة في باريس دون أن اكتب عنها؟ فقد عشت بها الحيوات كلها، عشت مغتربا وكنت اعتمد علي نفسي فيما اقتات به من أجل أن أدرس في السوربون وأن اتعلم الفرنسية جيدا لكي اتذوق الحياة والثقافة الفرنسية. وعندما كنت امشي في شوارع باريس اتذكر اشياء كثيرة فهناك شارع الجامعة الذي كان يستوطنه مصطفي كامل، وهناك "6 شارع مارتال" وهو مكان شعبي ولكن كانت تصدر منه مجلة للامام محمد عبده. ومن ناحية أخري التقيت بالكثيرين من المفكرين والمستشرقين ومنهم البروفسور الجزائري محمد أركون ورئيس الوزراء الفرنسي الاسبق بيير بيرجوفوا الذي انتحر بعد نضال سياسي امتد لنحو نصف قرن، والمفكر والفيلسوف الفرنسي ديبريه، والمستشرق الفرنسي جاك بيرك، وعبد الرحمن بدوي الذي التقيته في الحي اللاتيني وكان يعارضني فيما اكتب في "الاهرام"، والشاعر السوداني صلاح أحمد ابراهيم، وغيرهم. ويتذكر دكتور سعيد: "ذهبنا إلي باريس وكان لدينا طموحات كثيرة، كنا نذهب إلي البرج وكل منا يتحدث عن شىء، منهم من يتحدث عن محبوبته التي لم يصله منها خطابات منذ فترة وربما تكون خطبت، والذي يتحدث عن والدته المريضة التي ربما رحلت عن عالمنا.. منا من يبكي ومنا من يندم علي حضوره باريس.. نتحدث عن نجاحاتنا واحباطاتنا، منا من كان يعاني البطالة فلم يكن لدينا إقامة كاملة أو الحق في أن نعمل". ويضيف: علي أي حال كان لابد أن اكتب أشياء من هذه الثرثرة وكان هناك فضل لابد ان ارجعه إلي اصحابه.. هذه هي أجواء الكتاب الذي تحدثت فيه عن هذا الجيل المغترب، واليوم كلما أري المصريون الذين يسافرون ويسقطون كالذباب تلتهمهم اسماك القرش دون أن يبكيهم أحد، اتذكر انني لم اختلف عنهم كثيرا حيث دخلت إلي فرنسا بتذكرة لمدة ثلاثة شهور ولكنني امضيت 20 عاما". ويعلق "كان المصري يبكي إذا ترك وادي النيل فإذا به يتركه اليوم ويذهب إلي المجهول". يوضح الدكتور احمد وارث أن المؤلف يريد في كتابه ان يقدم مواجهة بين الذات والآخر، أن يقدم هماً هو الاغتراب، وان يبحث عن تطور هذه الصورة، كان يريد أن يعرف ماهية الذات ولماذا نبحث دائما عن الذات لدي الأخر؟.. المؤلف ذهب إلي الأخر فظل نفسه، وهناك من يذهب فيفقد نفسه خاصة إذا كان ذهابه ذهاب إعجاب ولا يملك لغة الآخر. ويقدم اميل امين تجربته قائلا "امثل الجيل الثاني الذي ذهب لباريس، فقد ذهبت في اوائل التسعينات ومن المصادفات أن يكون برج ايفل أول ما ذهبت اليه، وأول شىء كتبته كان برقية إلي الحبيبة المصرية. ذهبت إلي فرنسا دارسا للعلوم الفلسفية واللاهوتية وسكنت في أعالي السطوح وعايشت مطاردات البوليس". ويضيف: الدكتور سعيد يكشف لنا في كتابه عن اخطاء فادحة لواقع حال عالمنا العربي في الفترة الأخيرة، ونبه إلي الخسارة الكبيرة التي تعيشها العواصم العربية من جراء هجرة هؤلاء العقول، واعطي صورة واضحة عن نماذج بشرية متعددة في صدامها مع الغرب. عن سقوط الاتحاد السوفيتي يقول د. اللاوندي في كتابه "في أجواء هذا الزلزال القيمي والسياسي والاقتصادي حاول أبناء جيله أن يقبضوا في باريس على خصوصيتهم فكانوا أشبه بالقابض على الجمر، ولكن ذلك لم يمنع من سقوط بعضهم لهشاشته الفكرية أو لضعف بنيانه الثقافي، أو لسوء تقديره للمواقف، وهنا تُطرح تساؤلات عدة منها الى أي مدى تؤثر الغربة في طريقة تفكيرنا واتخاذنا القرارات أو تقيمنا للأمور؟ هل هي قرارات وتقييمات ثابتة؟ ألا يمكن أن تتبدل مع الوقت بتبدل الاوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية؟ وما هي الاسس التي بناء عليها نحكم على الاخر؟ هل هي أسس عامة أو وقتية؟ ". د. سعيد اللاوندي حاصل على دكتوراة في الفلسفة السياسية جامعة باريس 1987، وخبير في العلاقات السياسية، وعضو المجلس المصري للشؤون الداخلية، استاذ محاضر في جامعات مصر وسويسرا وبلجيكا، قدم برامج سياسية وثقافية في اذاعتي مونتي كارلو والشروق وابرونيوز، رأس تحرير جريدة أخبار الجالية المصرية كما رأس اتحاد المصريين بباريس لعدة سنوات، أسس المركز المصري لحوار الثقافات في باريس.