يوم الجمعة الموافق 19 مارس2010 أصدر الرئيس السابق حسني مبارك قرارا ينص على تعيين الدكتور أحمد الطيب شيخاً للأزهر ليأتي فضيلته خلفا للشيخ الراحل سيد طنطاوي ، وهو نجل الشيخ الطيب شيخ للطريقة الخلوتية الصوفية . ويتميز الشيخ أحمد الطيب باتجاهاته التنويرية مع الحفاظ على الأصالة الدينية الأزهرية فهو أستاذ في العقيدة الإسلامية، ويجيد التحدث باللغتين الفرنسية والإنجليزية بطلاقة ، وسبق أن ترجم عدداً من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية، كما عمل فضيلته محاضراً جامعياً لبعض الوقت في فرنسا .
ويقول علماء أزهريون عن الإمام الأكبر أنه بالفعل شيخ طيب وهو رجل واسع العلم ، ولم يدخل من قبل في مناقشة أي من القضايا الخلافية، ولم يصدر حين كان مفتياً لمصر فتاوى أثارت الجدل ، وتولى فضيلته رئاسة جامعة الأزهر في العام 2003م بعدما كان مفتياً للديار ، كما يرأس شيخ الأزهر لجنة حوار الأديان ، وكان عضوا في مجمع البحوث الإسلامية وهي أعلى هيئة علماء في الأزهر .
ويرى المتابعون للحالة والمؤسسة الدينية أن د. الطيب واحدا من أبرز العلماء في المرحلة الراهنة، وأن وقرار تعيينه شيخاً للجامع الأزهر جاء تماشيا مع الاتجاه العام للمؤسسة الدينية نحو تدعيم حوار الحضارات ، حيث تخرج الطيب في كلية أصول الدين، وحصل على الدكتوراه من جامعة السوريون الفرنسية، وعمل مفتياً للديار المصرية عامي 2002 و2003، لينتقل منها إلى رئاسة جامعة الأزهر، ويعتبر أحد أبرز المتصوفة من علماء الأزهر، وقد ورثها عن والده وجده في الأقصر (700 كم جنوبالقاهرة).
ويري مراقبون أن إسقاط الشيخ الطيب من منصبه يصيب المشروع الإصلاحي الأزهري في مقتل، ويحرم الشيخ وإخوانه الذين يقفون إلى جواره من رعاية نبتهم وسقي زرعهم وهم أعلم الناس به وبما يحييه. وقد خرجت تظاهرات ضد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب .. واستقالة يتقدم بها فضيلته للمرة الثانية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يرفضها .. ويعلن تمسكه بفضيلة الإمام .
هكذا كان المشهد خلال الأسبوع الماضي .. بين الشد والجذب والمظاهرات التي خرجت للمرة الأولي لتهاجم شيخ الأزهر الشريف منذ توليه منصب المشيخة الذي بكي من ثقل مسئوليته عندما تولاه .. كان لنا جولة بين المتظاهرين في مشيخة الأزهر الذين أجمعوا علي حبهم الشديد لفضيلة الإمام الأكبر ، لكنهم كانوا ينادون بأشياء أخري من خلال هتافهم ضد الدكتور الطيب في مظاهراتهم التي بدأت الأسبوع الماضي .
والبداية كانت عندما تظاهر أزهريون في مشيخة الأزهر الشريف بالدراسة الأسبوع الماضي وقاموا بمنع الموظفين من الدخول إلى مكاتبهم ، كما منعوا جميع مستشاري شيخ الأزهر من الدخول إلي المشيخة ، حيث ردد المتظاهرون هتافات اتهموا من خلالها مستشاري الشيخ الطيب بالفساد المالي والإداري وأنهم يحصلون علي أموال ليست من حقهم ، كما قالوا أنهم يتقاضون مبالغ كبيرة المشيخة في حاجة إليها ولا بد أن يرحلوا .
كما اتهم المتظاهرون الذين قالوا أنهم من موظفي الأزهر الشريف في حين شكك البعض في انتماءهم للأزهر الدكتور عبد الدايم نصير بالاستيلاء على أموال الزكاة والصدقات التي تصل إلي المشيخة ، كما أكدوا أنهم لن يرحلوا من أماكنهم إلا بعد رحيل الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وجميع من أتي بهم من مستشارين.
وقد رفع المتظاهرون في مشيخة الأزهر لافتات مكتوب عليها ( لا للظلم ولا للقهر ولا للحرمان ) ، ولافتة أخرى مكتوب عليها ( فليرحل الحرامية ) ، وحتى يمنعهم العاملون بالمشيخة من الوصول إلي مكتب فضيلة الإمام تم تعطيل العمل بمصاعد المشيخة جميعا ، كما قام أمن المشيخة بإغلاق جميع الأبواب المؤدية إلى مكتب فضيلة الإمام وكذلك البهو الرئيسي المخصص لاستقبال الضيوف وكبار الزوار ، وذلك بعد محاولة الوصول إليه من المتظاهرين للتظاهر والاعتصام فيه وعلى باب مكتب الشيخ كما كانوا يقررون .
كما منع المتظاهرون داخل المشيخة فضيلة الإمام الأكبر من الدخول بعد أن قابلوه بالهتافات المناوئة في مظاهرة حاشدة وهتفوا ضده ، وذلك بالرغم من حبهم له وعلمهم بأنه لا يريد الاستمرار في منصبه وأنه تقدم باستقالته مرات عديدة قبل وبعد ثورة 25 يناير ، إلا أنهم برروا موقفهم بأنهم لا يريدون رحيل الشيخ بشخصه عن الأزهر ، لكنهم يريدون رحيل مستشاريه الذين قالوا أنهم يحصلون علي مبالغ طائلة دون أن يقدمون عملا يستحقون عليه تلك الأموال ، إلى جانب ما وصفوه بالفساد الذي لا يعلم به الإمام.
ومن جانبه تقدم الدكتور الطيب باستقالته الأسبوع الماضي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة وهي المرة الثانية التي يتقدم فيها باستقالته منذ بداية الثورة والتي رفضها المجلس العسكري ، كما سبق وأن هدد فضيلته بتقديم الاستقالة للرئيس السابق حسني مبارك قبل الثورة في حال منع الأمن للشيخ يوسف القرضاوي إبن الأزهر من دخول المشيخة عندما دعاه فضيلة الإمام الأكبر لحضور مؤتمر خريجي الأزهر ، الأمر الذي دفع أجهزة الأمن إلي التراجع عن منع الشيخ القرضاوي من دخول المشيخة .
وقال المتظاهرون في تصريحات خاصة للخبر أن مظاهراتهم بالرغم من أنه حملت بعض الهجوم علي فضيلة الإمام إلا أنهم يحبونه ويجلونه ويرون أنه الرجل المناسب لهذا المكان ، إلا أن المغذي من تظاهراتهم ضد مستشاري الشيخ الذين يتقاضون مبالغ طائلة هم يرون أن أولئك المستشارين لا يستحقونها ، كما أن هناك حالات فساد كثيرة تحدث داخل المشيخة ، والإمام الأكبر الذي جاء اسمه ( الطيب ) اسما علي مسمي لا يعرف عنها شيء وكان من المفترض أن يحقق فيها ويحاسب المسئولين عنها حتى لا يصل الأمر إلي ما هم فيه الآن . وقال أحد المتظاهرين الذي رفض أن يذكر اسمه أنه علي المستوي الشخصي والإنساني يحب فضيلة الإمام الأكبر لكنه يري أنه رجل بدرجة من الطيبة التي تجعله لا يصلح لإدارة مثل هذا المنصب ، حيث إن بعض من حوله يتربحون من تواجدهم حوله ، وهناك منهم أشخاص فاسدون ومتورطون في الاستيلاء علي أموال الذكاة الموجهة إلي فقراء المسلمين ، ويجب أن يحاسب هؤلاء ويتم كشفهم علي الملأ ، لأن هذا المكان أطهر من أن يتواجد فيه فساد أو فاسدين ، كما أن فضيلة الإمام نفسه لا يمكن أن يقبل بهذا الفساد ونحن نثق في ذلك ، لكننا متأكدون من أنه لا يعلم شيء عن الفساد الحادث .
متظاهر آخر قال إن اسمه علي محمود أكد أنه شارك في هذه المظاهرة للمطالبة برحيل مستشاري شيخ الأزهر ، وليس رحيل الإمام وأنه غير راض عما قاله البعض عن فضيلة الشيخ الذي يثقون جميعا في نزاهته وسلامة يده ، وأنه جاء في غير وقته عندما اختاره الرئيس المخلوع حسني مبارك ، لكنه في الوقت نفسه ربما يكون الحسنة الوحيدة التي فعلها الرئيس السابق قبل أن يرحل عن الحكم ، لكن هذا لا يغني عن أن هناك أشياء لا يمكن السكوت عنها ويجب أن يتم التحقيق فيها من قبل المسئولين ، ويجب أن يحيل فضيلة الإمام كل من تحوم حوله الشبهات إلي التحقيق حتى يتم تطهير المشيخة من مثل هؤلاء الذين أساءوا للشيخ الطيب نفسه قبل أن يسيئوا لمشيخة الأزهر وللمؤسسة الدينية كلها.
أما الموظفون العاملون في المشيخة فقالوا بنبرة حزن شديدة لما يرونه من هجوم يتعرض له الشيخ الطيب من المتظاهرين أن هذا الأمر غير معقول وغير مقبول من الأزهريون الذين يعرفون فضيلة الإمام جيدا ويعرفون أخلاقه وزهده وتعففه عن المناصب وما عاداها من أمور حياتية ، فهو رجل ينتمي إلي أسرة صوفية زاهدة عن ملذات الدنيا من الأساس ، كما أن كل العاملين في الأزهر يعلمون أنه يرغب في الرحيل عن منصبه بين ليلة وضحاها تاركا المنصب لمن يريد المناصب ويسعي لها.
وأضافوا أن هذه المظاهرات من تدبير جهاز أمن الدولة المنحل فهو الذي يسعي في الأرض فسادا ولم ولن يكف عن تلك الأفعال حتى يتم القضاء علي جذوره كاملة ، كما أن هناك ذيول للحزب الوطني لا زالت تحاول العبث بأمن البلد ، ويعلمون ما لهذا الرجل من قدرة علي احتواء الأزمات الكبرى التي تعصف بالبلد خاصة الفتن الطائفية ، لذلك يحاربونه ويريدون أن يأتوا بشخص آخر يكون لديه فكر أكثر تشددا من الشيخ الطيب فيحقق لهم ما يبغونه من اضطراب في البلد ليس بين الأقباط والمسلمين وحسب وإنما بين المسلمين بعضهم البعض .
ومن جانبه نفى الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر للحوار الأسبوع الماضي ما تردد من أنباء عن تقديم فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف استقالته .. مؤكدا أن ما تردد من شائعات بخصوص هذا الشأن يضر بمصلحة الأزهر ومصر .. مشيراً إلي أن نبأ استقالة شيخ الأزهر لا أساس له من الصحة، موضحا أن الطيب قال ( إن كانت استقالتي في مصلحة الأزهر ومصر لتقدمت بها فورا).
وأضاف مستشار الإمام أن جميع هيئات الأزهر كلها مصممة على بقاء الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب فى منصبه لأنه منذ أن تولى مشيخة الأزهر يبذل جهودا كبيرا لإصلاح التعليم فى الأزهر واستعادة دوره العالمي. ومما يؤكد أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب كان قد أعلن أنه لا يمانع من اختيار شيخ الأزهر عن طرق الانتخابات، بدلا من التعيين معلنا أن مطلب انتخاب شيخ الأزهر كان من ضمن أولوياته عند تعيينه وأنه ينتظر الوقت المناسب لإعلان ذلك .. مشيراً إلي أنه فى ظل تعطيل الدستور الحالي، ووضع دستورا جديدا للبلاد فإنه سيتقدم بمطلب العودة إلى اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب وبضمانات محددة .. مضيفاً أنه سيطلب تحديد فترة ولاية شيخ الأزهر بحيث لا تكون مطلقة، وأن يتم انتخابه بتشكيل هيئة من كبار العلماء والباحثين فى الشريعة الإسلامية تتولى ترشيح فئة من أهل العلم والرأى للاختيار من بينهم.
جدير بالذكر أنه كان يتم انتخاب شيخ الأزهر عن طريق هيئة كبار العلماء التي ألغيت بعد إقرار القانون 103 لتنظيم الأزهر عام 1961م .