ولد الجنيه المصرى ذهباً، كان ذلك قبل 124 عاماً عندما صدر قانون (ديكريتو) بسك الجنيه فئة رئيسية للعملة المصرية من الذهب الخالص وكذلك نصف الجنيه، وتقسيم الجنيه إلى مائة قرش على أن تكون هناك وحدات أخرى مساعدة أبرزها فئة العشرين قرشاً والخمسة قروش صنعتا من معدن الفضة. وبعد هذه الولادة الأولى بعشرين عاماً منحت الحكومة المصرية البنك الأهلى المصرى امتياز إصدار الجنيه الورقى، وفى 15 يونيو من عام 1898 أمسك المصريون فى أيديهم ورقة طويلة عريضة مكتوب عليها جنيه مصرى واحد ومرسوم وجهها وظهرها بعناية فائقة تساوى قيمتها التى هى أعلى من قيمة الجنيه الذهبى والذى بدأ يتحول بدوره مع الزمن إلى عملة للإدخار أو عملة تذكاية للاقتناء تساوى قيمة الذهب المصنوع منه فترتفع قيمته مع الأيام مقابل انخفاض قيمة الجنيه الورقى. وهذه الأيام يدخل الجنيه المصرى مرحلة جديدة فى عمره المديد الذى زاد على القرن ونصف القرن ، يمكن أن نطلق عليها المرحلة المعدنية الثانية ونصفها مقدماً للتاريخ فنقول إن الجنيه عاد يصنع فيها من المعدن ليس الذهب ولكن من سبيكة تتكون من النحاس والزنك يقال إن تكلفتها عند الصنع أعلى من القوة الشرائية لهذا القرص المعدنى. ونحن شعب يحب النقود، ويستمتع بالإمساك بها فى يديه وعدها ، فهذا أمر يمنح البعض شعوراً بالاطمئنان النفسى، وبتعبير عملى وعلمى ف "المجتمع المصرى مجتمع نقدى" هذه حقيقة يؤكدها حجم التعاملات النقدية التى تتضاعف فى مصر كل 5 سنوات تقريباً فكان هذا سببا من أسباب إصدار الورقة المالية فئة المائتى جنيه أو كما قال خبراء النقد : لم يكن منطقياً أن تظل ورقة المائة جنيه التى صدرت فى خمسينيات القرن الماضى هى سقف العملة المصرية، بينما يلفت فاروق العقدة محافظ البنك المركزى نظرنا إلى أن قيمة الورقة المالية من فئة المائتى جنيه لا تساوى سوى مبلغ صغير مقابل العملات العالمية مثل اليورو أو الاسترلينى أو حتى الدولار. وإذا كانت ورقة المائتى جنيه لم يتوقف عندها كثير من المصريين عند طرحها وتداولها على اعتبار أنها قليلة التداول،ولاتمسكها كثير من الأيدى ، فقد أثار الجنيه المعدنى منذ بداية تداوله وحتى هذه اللحظة كثيراً من اللغط والمشاكل، ولم يستقبله الشعب الذى يحب النقود بالترحاب، بل على العكس قطاعات كثيرة من المصريين وخاصة البسطاء ترفض صرفه أو قبوله وبسبب ذلك تحدث مشاحنات يومية تتطور أحياناً لتصل إلى مشاجرات تصل إلى أقسام الشرطة، وليس هناك من معنى لهذا الرفض النفسى إلا أن هؤلاء البسطاء يرون أن هذا الجنيه المعدنى لا يساوى فى قيمته الجنيه الورقى ، ولم يقتصر الأمر على البالغين والكبار فقط، بل انسحب إلى الأطفال الصغار أيضاً الذين شاركوا الكبار الرفض الناتج عن خبرة تراكمية لدى المصريين تعتبر أن كل عملة معدنية هىعملة مساعدة بمعنى أنها عملة صغيرة أقل من الجنيه. وحكى لى أحد الأصدقاء أن هذا الأمر سوف يسبب أزمة لوالده مع اقتراب عيد الفطر، فالرجل الذى صار له عديد من الأحفاد وتعَّود فى كل عيد أن يمنحهم "العيدية" نقودا جديدة مبهجة من فئة الجنيه ونصفه وربعه ويوزعها على أحفاده كل حسب عمره فيستكثرونها ويفرحون بها ، لكنه فشل حتى الآن فى الحصول على أوراق "البنك نوت" الجديدة من فئة الجنيه والنصف وكذلك فشل أصدقاؤه الذين أمدوه بها فى الأعياد السابقة أن يحصلوا عليها من البنوك، ويقال إن هناك أوامر بالتوقف عن طباعتها ، وهذا يسبب أزمة للرجل فالأحفاد لن يقبلوا أو يسعدوا بالجنيه المعدنى وسوف يضطر الرجل - وحاله على قده - إلى رفع سقف "العيدية" إلى خمسة جنيهات وعمليا سوف يتحول الجنيه المعدنى فى هذه الحالة إلى عملة مساعدة. وقس على المثال السابق وسوف تكتشف أن بعض الأسعار ارتفعت من حيث انخفضت قيمة العملة فى نظر الناس، الذين لن يجدى معهم كلام التنظير من عينة أن القوة الشرائية ترتبط بالقوة الفعلية للعملة ولا تتأثر بنوعها ورقية أكانت أم معدنية، أو التبريرات العديدة الأخرى عن المردود الاقتصادى والجدوى الصحية التى سوف تعود على المصريين من تغيير العملة من ورق إلى معدن أو التوجه العالمى نحو التوسع فى ذلك إلى آخر هذا الكلام الذى لم يخرج نطاق تداوله عن شريحة المثقفين فى المجتمع فى الوقت الذى لم تهتم فيه الحكومة بتسويق العملة الجديدة لعامة الشعب تاركة أمر قبولها للوقت والأيام، وإذا كنا اليوم نرفض قبول الجنيه المعدن فربما نتحسر عليه وعلى أيامه فى المستقبل المنظور عندما تطرح العملات البلاستيكية التى تسمى فى الغرب : "البوليمار" وتعد بديلاً أو تطوراً للعملات الورقية وإلى أن تصل إلينا العملة " البوليمارية" ندعو الحكومة أن تتأنى وتفكر قبل أن تطرح عملات معدنية من فئة أكبر من الجنيه " إن لم تكن بالفعل أصدرت الخمسة جنيهات " لأنه ساعتها بالفعل سوف يتحول الجنيه إلى عملة مساعدة، وليست وحدة رئيسية للنقد.