لم يكن المعتصمون على رصيف مجلس الشعب مجموعة من النازحين من ويلات الحروب الأهلية فى أفريقيا، كما أنهم ليسوا بالطبع حشودا من اللاجئين الذين ألقتهم الكوارث فى العراء.. هم مجموعة من عمال مصر الشرفاء الكادحين يبحثون عن حقوقهم المسلوبة بفعل مستثمرين مغامرين، أو عن طريق حكومة لم تلتزم أخلاقيا أو سياسيا بتعهداتها واتفاقاتها معهم. ومن ثم فإن التصعيد الأمنى مع المحتجين فى شارع مجلس الشعب أمس الأول يعد تغييرا شاملا فى المعادلة، بمعنى أنه من الآن فصاعدا وحتى انفضاض موالد الانتخابات المقبلة، لن يعلو صوت على صوت الأمن، وبالتالى سوف تنسحب السياسة من المشهد تاركة الساحة للقبضة الأمنية وحدها. غير أن المثير للدهشة والحزن فى وقت واحد هو أن الحكومة لا تشعر بأى خجل وهى تلحس كلامها وتتملص من اتفاقها المكتوب مع عمال شركة آمونسيتو لتسوية أزمتهم، على أساس حصولهم على 106 ملايين جنيه كمعاش مبكر، ثم فوجئ العمال بأن الحكومة ممثلة فى وزيرة القوى العاملة تقول لهم على بلاطة خذوا خمسين مليونا فقط أو اخبطوا رءوسكم فى الحائط.. ثم كان ما حدث من عمليات عسكرية نفذها رجال الأمن ببسالة وانتهت بتحرير الشارع والرصيف من الغزاة المحتلين بعد أن أوسعوهم ضربا بالهراوات والعصى الغليظة وركلا بالأقدام وجرا على أسفلت الشارع، فى مشهد تم تسجيله بما تبقى من كاميرات صحفيين وإعلاميين أفلتت من المصادرة والإتلاف. ولا أدرى من هو صاحب القرار الشجاع بإعلان الحرب على مجموعات رصيف مجلس الشعب حتى جلاء آخر محتج أو مطالب بحقه عن هذه البقعة الغالية من التراب الوطنى، فى سيناريو كان يمكن أن تتكرر معه فضيحتنا المجلجلة فى ميدان مصطفى محمود بالمهندسين قبل نحو خمس سنوات حين استخدمت قوات الأمن كل أسلحتها اللطيفة للغاية ضد اللاجئين السودانيين فسقط عدد من القتلى وجرح العشرات. غير أن ما تعتبره أجهزة الحكومة انتصارا كبيرا بالقضاء على ظاهرة الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية للعمال على الرصيف قضاء مبرما، قد يؤدى إلى نتائج عكسية تحمل معها نذر خطر داهم، ذلك أن اللجوء إلى الرصيف كان رغم كل شىء يعد مظهرا ديمقراطيا حضاريا، ووسيلة تعبير سلمية تفرغ شحنات الغضب المكتوم فى صدور مجموعة من المواطنين شعروا بالظلم فحملوا مطالبهم وتوجهوا بها إلى مجلس الشعب لعل أحدا من المسئولين يسمعهم ويبحث مشكلاتهم بجدية. لكن مع إغلاق نافذة التظلم والاحتجاج الوحيدة فلا أحد يعلم فى أى قناة سيجرى تيار الغضب الشعبى، الأمر الذى سيفاقم حالة الاحتقان الاجتماعى والسياسى فى مصر. وظنى أن ما جرى أيضا يحمل رسالة شديدة اللهجة بعلم الوصول إلى كل من يعنيه الأمر بالتزامن مع عودة الدكتور البرادعى مفادها أن الكلمة الآن للهراوة والعصا الغليظة ردا على كل من يجرؤ على الاحتجاج، سواء كان سياسيا أو اجتماعيا. باختصار شديد ليس فى رصيف البرلمان من يجيب إلا عسكرى الأمن المركزى.