عاش الأهرام المسائي ليلة كاملة مع معتصمي رصيف البرلمان بحلوها ومرها.. ورصد آمالهم وأوجاعهم التي جعلت عمال امنسيتو والمعدات التليفونية والنوبارية يقضون50 يوما ما بين رصيف الشعب والشوري. ومع بزوغ شمس أمس تصاعدت وتيرة الاحتجاج, وقطع عمال امنسيتو الطريق في شارع مجلس الأمة بأجسادهم وهددوا باقتحام مجلس الشعب أثناء مناقشة لجنة القوي العاملة لقضيتهم وانتقل الاعتصام إلي بنك مصر بعدها أنهت قوات الأمن الاعتصام بعد الفوضي التي سادت شارع قصر العيني وظهور ملامح انفلات في الشارع تهدد الجميع, وقد تم الاتفاق علي صرف50 مليون جنيه كتعويض للعمال وإنهاء الاعتصام وهو ماتم تنفيذه, كما تقرر صرف16 مليون جنيه لعمال المعدات التليفونية. لتتحول الليلة التي قضيناها مع المعتصمين إلي الليلة الأخيرة لتبدأ مرحلة جديدة تتراوح بين الطموح وتلبية المطالب. وبينما كانت إضاءة الشارع تخفت قليلا كان شعبان عبدالدايم أحد عمال شركة النوبارية للميكنة الزراعية يقول إنه يعمل بالشركة منذ عام1983 وكان يحصل في بداية تعيينه بالشركة علي مبلغ90 جنيها فقط شهريا, وقال إنه متزوج ولديه خمسة أطفال وقبل توقف الشركة عن العمل عام2008 كان يحصل علي مبلغ600 جنيه شهريا, وهو يعمل سائقا للمعدات الثقيلة يعمل20 يوما ويحصل علي إجازة10 أيام, وبعد توقف الشركة لم يستطع إيجاد فرصة عمل في مكان آخر لكونه تجاوز50 عاما. ويضيف أنه لا يستطيع شراء كيلو من اللحوم لأطفاله الخمسة وتقريبا طوال26 شهرا كان المسئول عن تلبية احتياجات المنزل جدة الأولاد حماته وتعطي لزوجته مبلغ200 جنيه فقط كل شهر, مضيفا أنه يعيش علي الفول والطعمية, وقام باخراج اثنين من أطفاله من التعليم لعدم قدرته علي سد مصاريف الدراسة. أضاف أن حلمه بسيط لا يتعدي حصوله علي راتب500 جنيه فقط في الشهر. وقال إنه جاء للمشاركة في الاعتصام هروبا من المسئولين ومن نظرة أهالي قريته في شمال التحرير بالبحيرة. أضاف لا أعرف شيئا سوي العمل كسائق للحفارات وتربية الأولاد فقط, وعند سؤاله عن بعض الأسماء لشخصيات عامة ووزراء في الحكومة مثل المهندس ماجد جورج, والسفيرة مشيرة خطاب, والسيد عمر سليمان, والشاعر عبدالرحمن الابنودي قال لا أعرف من هؤلاء كل ما اعرفه أن لمصر رئيسا هو الرئيس مبارك. يوم العمال المعتصمين أمام مجلس الشعب كان يبدأ في الساعة الثامنة صباحا ويقومون بتناول قرص واحد طعمية ورغيف عيش واحد وبعد ذلك يقومون بالهتاف والاحتجاج بأشكال مختلفة لجذب انتباه القنوات الفضائية والصحف التي أصبحت تتابع بشكل يومي أخبار المعتصمين وترصد أوضاعهم ويستمر المعتصمون في الهتاف حتي الساعة الثالثة عصرا وفي الرابعة عصرا يقومون بتناول وجبة الغداء وهي عبارة عن سندويتش واحد فول, وأحيانا يقوم بعض المواطنين بالتبرع لهم بوجبات طعام, فمثلا أمس الأول قامت سيدة بتقديم وجبات فراخ لكل المعتصمين علي رصيف مجلس الشعب والمعتصمين وهم لا يعرفون من هي ولا يعرفون من أين جاءت لهم التبرعات تلك. يقضي المعتصمون الليل وهم علي أمل أن يشرق شمس يوم جديد ويصدر لهم قرار من خلال وساطة مجلس الشعب بصرف حقوقهم أو إعادة تشغيل شركتهم المغلقة منذ سنوات بدون أسباب يعرفها العمال الصغار. وحكاية العمال تكاد تكون مشابهة وهي الحصول علي تعويض مناسب في حالة تصفية الشركة أو إعادة العمل لهم. سيد حشيش المحاسب بشركة النوبارية يقول, أنا أول من خلع ملابسه وتظاهر بشكل عاري الجزء الأعلي فقط بسبب نظرة الاستعلاء التي وجدها من أحد أعضاء مجلس الشعب لنا ونحن معتصمون عندما نزل من سيارته الغالية الثمن وهي تكفي لحل مشكلة عمال الشركة المعتصمين واعتبرنا مجرد حشرات ليس لها قيمة. أضاف قمت بخلع ملابسي بدون أن أشعر تعبيرا عن غضبي, مشيرا إلي أن عمال النوبارية هم أول من فكروا في أساليب جديدة للتظاهر مثل النوم في الشارع أمام السيارات المارة في شارع مجلس الشعب, وقبل أن نفعل ذلك قمنا بكتابة إقرار علي أنفسنا بأننا نحن المسئولون عما يحدث لنا من إصابات أو وفاة نتيجة الحادث. وأضاف سعد حشيش أنه متزوج ولديه ثلاثة أبناء أكبرهم ابنته الطالبة في كلية الآداب جامعة الإسكندرية, مشيرا إلي أنها الاسبوع الماضي قامت باجراء عملية جراحية في جامعة الإسكندرية ولم يكن معه أموال ليذهب للاطمئنان عليها, كما توفي ابن عمي وأنا علي رصيف مجلس الشعب معتصما من أجل الحصول علي حقي. وقال أنا هنا هارب من المسئولية ويوميا تقوم زوجتي بالاتصال بي من أجل إرسال أموال لها لتدبير شئون المنزل ولكن لا أستطيع وأشعر بالعجز, ولا أستطيع إدخال اللحوم البيت إلا في الأعياد فقط وامتنعت عن تناول الشاي لعدم قدرتي علي سداد مصاريف القهوة. وأشار إلي أنه منذ ثلاثة إيام أصدر حسين مجاور رئيس اتحاد العمال قرارا بصرف500 جنيه لكل عامل في النوبارية كتعويض ومساعدة علي الحياة علي رصيف المجلس وبالفعل أصدر محمد عبدالحليم رئيس النقابة الشيك ولكن اشترط علي العمال ترك الرصيف حتي يحصلوا عليه وهذا زاد غضب العمال المعتصمين, وقاموا بعمل أكفان من أكياس البلاستيك وعملوا جنازة رمزية تعبيراعن موت الشركة بسبب تجاهل المسئولين. وأشار إلي أن العمال كانوا يحلمون كيف ينفقون ال500 جنيه التي حصلوا عليها ولكن الشيك اتضح أنه غير قابل للصرف! وقال رجب علي محمد أحد العمال المعتصمين علي رصيف مجلس الشعب إنه يعمل في شركة النوبارية منذ27 عاما ولديه6 أولاد وهو سائق معدة ثقيلة, ويشير إلي أنه بسبب توقف الشركة عن العمل قام بفسخ خطوبة ابنته الكبري لعدم قدرته علي تحمل تجهيز زواج ابنته. وكان عمال النوبارية والمعدات التليفونية والمعتصمون علي رصيف مجلس الشعب يعيشون علي التبرعات من المواطنين لأنهم لا يستطيعون تحمل نفقات الاعتصام من الأكل والشرب. وحاولت بعض التيارات السياسية المعارضة من كفاية وحزب الغد وشباب6 أبريل اختراق تلك الاعتصامات ولكن العمال رفضوا الانضمام لأنهم ليسوا سياسيين وان مطالبهم فقط لاتزيد علي اعادة تشغيل شركتهم وصرف رواتبهم. وقال محمود عتريس أحد المعتصمين بشركة المعدات التليفونية أمام مجلس الشعب إن الحياة علي الرصيف قاسية للغاية, وأن عمال التليفونات كانوا لا يتخيلون يوما أن يأتوا للاعتصام علي رصيف مجلس الشعب. وأضاف أننا ضحايا الخصخصة وكانت الشركة من أكبر الشركات في مصر في تصنيع المعدات التليفونية وتم بيع الشركة إلي مستثمر وبعدها بدأ التخريب في الشركة من أجل بيع الأرض. وأشار إلي أن العمال يبلغ عددهم نحو800 عامل, وأضاف أن المعتصمين كانوا يتوحدون أحيانا في الهتاف لأن مشاكل العمال واحدة وهي إعادة تشغيل شركتهم, مضيفا أن العمال كانوا يصلون الجمعة علي رصيف مجلس الشعب والخطبة كانت لا تخرج عن الحديث عن الظلم الاجتماعي. وأضاف أن العديد من المواطنين كانوا يقدمون وجبات للمعتصمين. وقال أحمد عثمان أحد العاملين المعتصمين منذ42 يوما علي رصيف مجلس الشوري إن الحياة في الاعتصام قاسية جدا, مشيرا إلي أننا نبتكر يوميا أساليب وطرقا جديدة للتعبير عن احتجاجنا مثل صناعة نعش تعبيرا عن موت الشركة أو عمل جنازة وحمل أحد العمال علي الاكتاف تعبيرا عن موته قبل الحصول علي حقه الشرعي. أضاف أن العمال كانوا يجمعون يوميا جنيها للمجموعة التي سوف تنام في الشارع علي الرصيف, وكان المبلغ لا يزيد علي70 جنيها, وعدد الذين ينامون علي الرصيف يوميا كان أكثر من30 عاملا بالشركة, وأضاف أن إحدي جمعيات حقوق الإنسان هي التي احضرت لنا البطاطين ولم تعرفنا من هي هذه الجمعية أوحتي نعرف طبيعة نشاطها. وأعد لنا المسئولون عن البطاطين أنه بعد فض الاعتصام يجب ترك البطاطين علي الرصيف.