إنّ إعلان موسكو عن تسليم منظومة متحركة للدفاع عن الشواطئ السورية والتي تتضمن منظمومة صواريخ "ياخونت" المضادة للسفن لم يُحدث هذا الإرباك الإعلامي الذي نسمعه اليوم حول منظمومة أس 300 والتي تعتبر كاسرة للتوازن الإقليمي، والتي جاءت بعد الغارة الإسرائيلية الأخيرة على دمشق والفوضى المذهبية الإقليمية جاءت لتسريع التوافق الأميركي – الروسي حول ملفات المنطقة. وبالتالي فإنّ الحديث عن الصواريخ الكاسرة للتوازن ترافق مع حملة إعلاميّة باستعادة السيطرة الميدانية على القرى المحيطة بالعاصمة دمشق ومؤتمر المعارضة السورية في اسطنبول وبداية معركة القصير. فهل تكون لقاءات بوتين – نتنياهو المتكررة لصياغة النظام الإقليمي بما يحفظ المصالح الدولية للقوى الكبرى في إيران وتركيا؟ من خلال هذه الوقائع نفهم السياسة الخارجية الروسية والتي تقوم على مجموعة من الثوابت والمتغيرات وأهمها: 1- دور روسيا وشرايين الطاقة في العالم. 2- الغاز في المتوسط بين روسياوالولاياتالمتحدة، لأن من يسيطر على مصادر الطاقة في المتوسط يسيطر على مستقبل أوروبا وبالتالي استمرار الاقتصاد الأوروبي بالصعود وبالتوافق عبر رؤية مارشل لما بعد الحرب العالمية الثانية يؤشر إلى استمرار الحاجة الغربية إلى الحلف الأطلسي بينما التقارب الروسي – الأوروبي يؤدي إلى قيام البعد الأوراسي أو الحلم الروسي والذي يشكل عودت روسيا اللاعب الأساس في العالم التجاري والاقتصادي وبطبيعة الحال السياسي والعسكري. 3- إن الإستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي الروسي للسنوات العشر القادمة لا تعتبر الولاياتالمتحدة هدفا بقدر ما تعتبر أنّ العلاقات بين الدول تحكمها المصالح والتنافس برغم من استخدام وسائل ضغط وانتقادات ضمنية. 4- إن السياسة الروسية بقيادة الرئيس بوتين استفادت من الأزمة في البوسنة للعودة إلى البلقان ومن الأزمة الأوكرانية للحوار مع أوروبا على خلفية إمدادات الغاز وكانت الأزمة في جورجيا المدخل العسكري لتكريس السياسة الروسية التي تقوم على بناء عالم متعدد الأقطاب. كما لا يمكن أن ننسى انتصار "حزب الله" عسكرياً وبأسلحة روسية على التقنيات العسكرية الغربية والإسرائيلية أعاد روسيا إلى المسرح المتوسطي بعدما كانت القضية الفلسطينية السبب في خروجه. وعادت السياسة الروسية لتقوم على محاور ثلاث: أ- المحور الأول العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية ومن خلالها العلاقات بين العرب والكيان الصهيوني وهنا استطاعت روسيا العمل على ثلاث أبعاد: · البعد اليهودي المؤثر في الداخل الإسرائيلي – حوالي مليون مهاجر يهودي سوفياتي في "اسرائيل" · البعد الشيعي المؤثر من خلال معادلة الشمال – "حزب الله" والتي أصبحت حقيقة بعد تموز 2006. · البعد الأرثوذكسي من خلال معادلة حماية الأماكن المقدسة المسيحية والأرثوذكسية تحديداً في الأراضي المقدسة والتي يعتبر لبنان وسوريا والأردن وفلسطين مسرحاً حيوياً لها. ب- المحور الثاني الملف النووي الإيراني والتهديدات الغربية للمجال الحيوي السوفياتي التي تؤثر فيه إيران في آسيا الوسطى والتوازن مع تركيا وأذربيجان. ت- المحور الثالث سوريا بواقعها الجغرافي كممر رئيس للطاقة في العالم بين الخليج وأوروبا وقربها من الممرات البحرية الأساسية للتجارة الدولية بالإضافة إلى قربها من فلسطين وتأثرها بعملية السلام وتأثيرها على مستقبل الحوار بين الأطراف الاقليميين والدوليين. فكانت سوريا البديل الاستراتيجي منذ أكثر من نصف قرن بعد خروج مصر من المجال السوفياتي مع عبد الناصر وتكريس السادات لاعب مؤثر عبر الحركة الإسلامية لتدمير النفوذ الشيوعي.
في الخلاصة، يمكن اعتبار سوريا بمثابة أوكرانيا وفيهما القاعدتين الوحيدتين الروسيتين خارج الإتحاد الروسي. وما إبرام اتفاقيات الصواريخ والاسلحة والطائرات إلا تأكيد روسيا على إحياء الصداقات والتحالفات السوفياتية ورسالة قوية لواشنطن ان حلم المياه الدافئة لا يمكن أن يتحول إلى نظرية "الخنق الاستراتيجي" ودور تركيا وإسرائيل وإيران في المنطقة هو أيضاً في سلة التفاوض والتنافس والثمن يعني المشاركة في استثمار الطاقة والأمن الدولي بين روسياوالولاياتالمتحدة دون العودة إلى الحرب الباردة إنما مع تعديلات على اتفاقية فرنسا وبريطانيا، لأنّ جنيف2 لن يكون سوى مقدمة لاتفاق دولي يحمل بصمات كيري –لافروف. وهل يكون السلاح الروسي في المتوسط لحماية المصالح السياسية والاقتصادية وكل اللاعبين المحليين والاقليميين مجرد أوراق على طاولة التفاوض الدولي.