نقابة الصحفيين حالة فريدة بين النقابات المصرية بل في الواقع السياسي المصري كله. نقابة الصحفيين هي المكان الوحيد في مصر الذي يحدث فيه تداول للسلطة بين تيارات متنوعة, ففي السنوات الأخيرة تعاقب علي نقابة الصحفيين نقباء محسوبون علي الحكومة وآخرون محسوبون علي المعارضة, ومجالس نقابة محسوبة علي هذا التيار أو ذاك, فجرت عملية التوالي علي قيادة النقابة بسلاسة وسلام, واجتهد الفريقان في تحقيق مصالح النقابة وأعضائها, فكانت النجاحات والإخفاقات, ولكن الاتجاه العام للحركة كان دائما إلي الأمام, وهذه هي روعة الديمقراطية عندما تعمل بشكل سليم. انتخابات نقابة الصحفيين لها طعم خاص يختلط فيه النقابي بالسياسي. استقرت بين الصحفيين منذ سنوات طويلة تقاليد عريقة جعلت الطابع النقابي غالبا علي انتخاباتهم, وإن ظل السياسي دائما في خلفية المشهد. في المنافسة الجارية الآن بين مكرم محمد أحمد وضياء رشوان كثير من هذا, بالإضافة إلي أشياء أخري. المرشحان المتنافسان يرفعان راية المبادئ النقابية نفسها تقريبا. التزام النقابة بصالح المهنة والمشتغلين فيها هي الراية نفسها التي يرفعها المتنافسان. المرشحان كلاهما يحتكم إلي مبادئ حرية الصحافة والصحفيين من ناحية وحل مشكلاتهم المهنية والاقتصادية من ناحية أخري, أما المنافسة فتدور حول أي منهما أقدر علي تحقيق هذه الأهداف. لدي النقيب الحالي مكرم محمد أحمد رصيد كبير في هذا المجال لكنه رصيد لا يخلو من بعض ثغرات, وهو الحال دائما مع أي صاحب منصب أو سلطة يطالب الناخبين بتجديد الثقة فيه, فصاحب السلطة دائما ما يكون لديه سجل فعلي من الإنجازات والإخفاقات, بينما يعتمد القادم الجديد متحديا علي وعود تستمد صدقيتها من مصداقية المرشح, ولضياء رشوان قدر كاف منها. العادة جرت في انتخابات الصحفيين علي أنه باستثناء كتلة ضيقة من الصحفيين الذين يصوتون دائما وفقا لانتماءاتهم السياسية, فإن الكتلة الأكبر من الصحفيين يصوتون وفقا لما يرونه ملائما لمصالحهم النقابية. غير أن الأمر يبدو مختلفا في انتخابات الصحفيين هذه المرة, حيث تلعب السياسة في انتخابات الصحفيين الراهنة قدرا أكبر قليلا مما لعبته في انتخاباتهم السابقة. المتنافسان مكرم محمد أحمد وضياء رشوان تجنبا إبراز تحيزاتهما السياسية إلا أن كلا منهما بات رمزا لتيارات وقوي تقف وراءه. في انتخابات الصحفيين الراهنة يوجد تيار قوي بين الصحفيين يميل للتصويت لهذا المرشح أو ذاك ليس علي أساس انتماءاته السياسية الخاصة, ولكن علي أساس الموقف من القوي التي تقف ورائه. فلا من يصوتون لمكرم محمد أحمد يصوتون للحزب الوطني, ولا من يصوتون لضياء رشوان يصوتون لأفكاره الناصرية المعدلة. المصوتون لكلا المرشحين يفعلون ذلك من باب الاحتجاج علي الكتلة التي تقف وراء المرشح الآخر, فبينما يصوت الكثيرون لضياء رشوان تعبيرا عن الاحتجاج علي قوي الأمر الواقع في الصحافة والسياسة التي تقف وراء مكرم محمد أحمد, يصوت الكثيرون لمكرم محمد أحمد رفضا لتيارات إسلامية ويسارية تساند ضياء رشوان. المنافسة الراهنة في نقابة الصحفيين ليست تصويتا لأحد, فمازالت مصر بعيدة عن بلورة تيارات سياسية لها قبول واسع يحظي بتأييد الناس, ولكنها تصويت ضد تيارات موجودة بالفعل لا تحظي بالتأييد والتوافق الكافي. ستنتهي انتخابات الأحد بفوز أحد المرشحين, وسيكون لدينا فائز وخاسرا من بين المرشحين الاثنين, لكن علي مستوي السياسة لن يكون لدينا منتصر, بل خاسر فقط. في مساء الأحد سنعرف أي التيارات السياسية استفزت قدرا أكبر من الخصوم أكثر مما سنعرف أيا منها يتمتع بالتأييد بين الناخبين, وفي هذا فإن ما يجري في نقابة الصحفيين له صلة كبيرة بما يجري في مصر.