نائب محافظ الوادي الجديد تبحث استعدادات المحافظة لإقامة المعرض الزراعي الشهر المقبل    متوقع انخفاضها قريبًا.. أسعار البن في السوق المحلي بعد الزيادة الجديدة في شهر أكتوبر    لرفع الكفاءة التدريبية.. ميناء القاهرة الجوي ينفذ تجربة طوارئ متسعة النطاق بأرض مهبط مطار القاهرة    قرار جديد من وزير التموين بشأن أوزان عبوات الشاي (تفاصيل)    المالية: نستهدف توفير المزيد من السيولة لمجتمع الأعمال وسرعة إنهاء المنازعات القديمة    لمدة 4 ساعات.. قطع مياه الشرب في مدينة طوخ بسبب «غسيل الخزان»    17 شهيدا في قصف إسرائيلي على وسط غزة.. وتحذير من خروج مستشفيات الشمال عن الخدمة    بعد عام من الحرب.. شهادات مأساوية لجراحين عن الوضع في غزة تحت القصف    مران على فترتين ومباراة ودية.. بيراميدز يستعد لمواجهة الزمالك في السوبر    «القوة تظهر في الملعب فقط».. تصريحات مُثيرة من «شباب بلوزداد» عن مواجهة الأهلي بدوري أبطال أفريقيا    ريال مدريد يحدد طبيعة إصابة ميليتاو    الإعدام للمتهم بخطف وقتل الطفلة السودانية جانيت    العالمي للفتوى: 32% من فتاوى الجماعات المتطرفة تبيح إنهاء حياة الإنسان وسفك دمائه    د. حسن الشافعي: دور الفتوى في بناء الفرد والمجتمع ليس كلاما نظريا بل حقيقة عايشناها بالفعل    وزير الصحة: مصر تعزز جهود التبرع بالأعضاء من خلال مبادرة «تبرع مصر حياة»    جامعة قناة السويس تطلق قافلة شاملة إلى جنوب سيناء ضمن احتفالات أكتوبر    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة غدا الأربعاء 09 - 10 -2024    ضم أول قائمة بيانات لعمال التراحيل إلى منظومة العمالة غير المنتظمة وصرف أول منحة لهم    قوات الاحتلال تعتقل نحو 30 فلسطينيا من الضفة الغربية    من فاز بجائزة نوبل للفيزياء 2024؟.. إنجازات في التعلم الآلي    السيسي: طول ما القوات المسلحة يقظة ومستعدة وشريفة مفيش خوف من حاجة    نشوى مصطفى: لطف ربنا ودعوات الناس الطيبة وخالد النبوى أنقذونى من الموت    رئيس جامعة الأزهر: الفتوى شفاء من الحيرة ويجب البعد عن التشدد والتساهل    الأنبا يواقيم يزور ديوان عمدة قرية كومير بالأقصر لتعزيز الروابط الاجتماعية (صور)    إصابة 5 طلاب بحادث سير حال توجههم لجامعة المنصورة    احذروا.. العسل في هذه الحالة قد يسبب السرطان    أمين البحوث الإسلامية: الفتوى تساعد على بناء إنسان قادر على التناغم مع الحياة    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع محافظ الجيزة تعزيز أوجه التعاون لخدمة المجتمع    بعد عام على أحداث غزة .. كندة علوش تجدد دعمها للقضية الفلسطينية    كيم جونغ أون: كوريا الشمالية ستسرع خطواتها لتصبح قوة عسكرية عظمى    وفد «التعليم العالي» يشارك في مبادرة بوابات التعلم الرقمي العام بإندونيسيا (تفاصيل)    بدء التشغيل التجريبي لقطارات السكك الحديدية فى سيناء.. انفوجراف    مواليد 5 أبراج معرفون بالتقلبات المزاجية.. هل أنت منهم؟    تأجيل محاكمة المتهم بقتل سائحة سويسرية بالفيوم لاستكمال طلبات الدفاع    رئيس جامعة سوهاج: نعمل على تحقيق أهداف المبادرة الرئاسية «بداية»    الدعاء في يوم الجمعة: فضله وأهميته في حياة المسلم    «هما إثنين متجوزين بيتخانقوا على القايمة».. شوبير يكشف عن مهزلة في لجنة الحكام    35 ركلة ترجيحية بين سموحة والزمالك.. وفرج عامر: «هنسجلها في موسوعة جينيس»    السيسي: الشعب الفلسطيني من حقه العيش في دولة مستقلة جنبا إلى جنب مع إسرائيل    انطلاق فعاليات الدورات التدريبية لمقدمى المشورة الأسرية بصحة الدقهلية    علماء روس يطورون ذراعًا اصطناعية لاستعادة حركة اليد بعد الإصابة بالسكتات الدماغية    سكاي: فرانكفورت يريد تمديد عقد مرموش.. وموقفه من العرض    مستاء من المتاجرة بمرضه.. محامي مؤمن زكريا يكشف آخر التطورات "واقعة السحر" | فيديو    رئيس الكنيسة الأسقفية يشارك في ندوة "الفتوى وبناء الإنسان" بدار الإفتاء    الأمم المتحدة تحذر من انهيار النظام الصحي في لبنان    الخميس المقبل.. "من انتصارات حرب أكتوبر إلى إنجازات الجمهورية الجديدة" بعين شمس    المتهم بقتل الطفلة السودانية «جانيت» يصل مقر محاكمته    قائد الجيش الثاني الميداني ل الرئيس السيسي: جاهزون لتنفيذ أي مهام نُكلف بها    7 معلومات عن ابنة إيمان العاصي بعد ظهورهما في «صاحبة السعادة».. لاعبة كرة    مسئول أمريكي: الصين لا تسعى للتأثير على الانتخابات الرئاسية في بلادنا    "وضعتها بمكان سرى".. اعترافات المتهمة بتهريب عملات أجنبية بمطار القاهرة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المكسيكي تطورات مقتل 3 مصريين في حادث إطلاق نار    فريد زهران: دعم التحالف التقدمي العالمي للقضية الفلسطينية وإسقاط عضوية إسرائيل انتصار للضمير الانساني    على طريقة غراب هابيل قابيل، تفاصيل قتل فلاح لشقيقه الأكبر بطوبة ودفنه في فسحة منزله بأسيوط    تغطية إخبارية لليوم السابع حول حقيقة انفجارات أصفهان وسيناريوهات الرد الإسرائيلى    بلاغة القرآن| تعرف على تفسير سورة الناس    محمد أبو الوفا رئيسا لبعثة منتخب مصر في موريتانيا    لماذا كان يصوم الرسول يوم الاثنين والخميس؟.. «الإفتاء» تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشاركة المجتمعية في بناء الأمة
نشر في مصر الجديدة يوم 10 - 01 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من: أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..
فإن الأمة الإسلامية تمرُّ بمرحلةٍ فاصلة في حياتها ترسم من خلالها نهضتها ومستقبلها، وتحدِّد مكانتها بين الأمم، وترسم معالم الهوية الإسلامية التي يجب أن تكون قاطرة للعالم لتخلصه من آلامه وشقائه، وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وجوره واستبداده وطغيانه، وتوقف نزيف الدم الذي لم ينقطع؛ بسبب سياسة الكيل بمكيالين، والتمييز العنصري المقيت، والصراع على المصالح والاستيلاء على مناطق النفوذ، وأماكن الثروات والكنوز البترولية والمعدنية والزراعية وغيرها؛ حيث إن الإنسان قد وضع نظامًا من عنده يتحكم في غيره من البشر لتحقيق مصالح ضيِّقة.
والإسلام حين يُطهِّر العالم من هذا الفساد فإنه ينشر على البشر راية العدل والرحمة والمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية دون تفرقة بين البشر لا بجنس ولا لون ولا طبقة ولا دين؛ فالكل أمامه سواء؛ لأن الذي أنزله هو خالق البشر جميعًا، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ) (تبارك: 14)، وهو الرحمن الرحيم، والحكم العدل الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس: 44).
أيها المسلمون في كل مكان:
لقد هيَّأ الله عز وجل لنا هذا الدين وأكمله ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين، وأحكم التشريع، وسهَّل الأحكام، وجعلها من الصلاحية لكل زمان ومكان، بل الأهلية لإصلاح الإنسان في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة؛ حيث إنها الرسالة الخاتمة للبشرية بحيث يتقبلها العالم وترى فيها الإنسانية أمنيتها المرجوة وأملها المنتظر، وإن مبادئ الإسلام وتعاليمه ظلَّت قوية في ذاتها، فيَّاضة بالخصب والحياة، جذَّابة أخَّاذة بروعتها وجمالها، وستظل كذلك؛ لأنها الحق، ولن تقوم الحياة الإنسانية كاملة فاضلة بغيرها؛ ولأنها من صنع الله وفي حياطته: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
لقد آمنا إيمانًا لا جدال فيه ولا شك معه، واعتقدنا عقيدة أثبت من الرواسي، بأنه ليس هناك إلا فكرة واحدة هي التي تنقذ الدنيا المعذَّبة وترشد الإنسانية الحائرة وتهدي الناس سواء السبيل، ألا وهي الإسلام الحنيف الذي أكمله الله تعالى وأتمه ورضيه للناس أجمعين: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 3)، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ جَمِيعًا...) (الأعراف: 158).
أهمية الاقتصاد في حياة الأمة:
ولما للمال والاقتصاد من أهمية في حياة الأمم ونهضتها نرى أن رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقام المسجد وأنشأ السوق، وقال: هذا سوقكم، وكانت قريبة من سوق يهود بني قينقاع، فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها، وقطع أطنابها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم: "لا جرم، لأنقلنَّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا"، فنقلها إلى موضع سوق المدينة. ثم قال: هذا سوقكم، لا يحجر، ولا يُضرب عليه الخراج، وتم تطبيق كل صور البيوع الإسلامية الحلال لتقديم البديل الصالح في مواجهة كل صور بيوع الغش والتدليس والربا في سوق اليهود بالمدينة المنوَّرة، وقد ذهب الزَّبَد وبقي ما ينفع الناس، ومحق الله الربا وأربى الصدقات "أي ضاعف الجزاء عليها".
ما أعظم هذا الدين الذي يوازن بين الدين والدنيا؛ وبين مطالب الروح ورغبات الجسد..
الاقتصاد والرفق في المعيشة
أيها المسلمون: إن بناء أمتنا اقتصاديًّا يحتاج منا إلى أن نرشد إنفاقنا وألا نسرف في نفقاتنا، وإنما نكون كما أمرنا ربنا في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (الفرقان: 67).
والاقتصاد في المعيشة جزء من صفات النبوة.. قال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: «السَّمْتُ الْحَسَنُ وَالتُّؤَدَةُ وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ».
والاقتصاد في النفقة علامة فقه الرجل عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ رِفْقُهُ فِي مَعِيشَتِهِ». كما أن المقتصد لا يحتاج لأحد، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ». أَي مَا افْتقر من لَا يسرف فِي الْإِنْفَاق وَلَا يَقتر. وقال صلى الله عليه وسلم: «من اقتصد أغناه الله، ومن بذَّر أفقره الله، ومن ذكر الله عز وجل أحبه الله». وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سُئِل: أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ».
وإن تعجب فعجب أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بعدم الإسراف في الماء، وترى من بين المسلمين من يرمي على الأرض طعامًا كثيرًا ومن حوله من لا يجد ما يسدُّ به رمقه، وكأنه لم يسمع لقول رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ".
لأن بدايات التبذير هى إيحاءات شيطانية حتى يصل صاحبها إلى أن يكون للشيطان وليًّا (إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 27).
نِعْم المال الصَّالح للعبد الصالح:
ولقد ضرب سيدنا عثمان رضي الله عنه مثلا واضحًا، ومواقف عظيمة في إنفاق ماله لمصالح المسلمين ومنافعهم، ونصرة الإسلام وتجهيز الجيش، فمن عظيم أعماله أنه كان بالمدينة بئر ليهودي يبيع ماءه للمسلمين فلما قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ المُسْلِمِينَ، بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ»؟ فَاشْتَرَاهَا عثمان مِنْ صُلْبِ مَالِه". وقوله: "دَلْوَهُ مَعَ دِلَاءِ المُسْلِمِينَ" يوقفها ويكون نصيبه منها كنصيب غيره من المسلمين دون مزية.
وقال عثمان لما ضاق مسجد المدينة بالمسلمين: قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَبْتَاعُ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ؟» فَابْتَعْتُهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنِّي ابْتَعْتُ مِرْبَدَ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: «فَاجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ».
وفي غزوة العسرة قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ يُجَهِّزُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ؟» فَجَهَّزْتُهُمْ حَتَّى مَا يَفْقِدُونَ عِقَالًا وَلَا خِطَامًا".
الإسراف في الوقت:
واحذروا أيها المسلمون من أن تسرفوا في أوقاتكم وتضيعوها فيما لا فائدة فيه، فإن الوقت هو الحياة ولا يمكن استرجاعه، وعمرك ينتهي بمروره! وهو رأس مالك في هذه الحياة، فلا تصرف جزءًا منه من غير فائدة وعمل تنتفع به في الدنيا والآخرة، ويعود عليك وعلى أمتك بالخير والنفع، واعلموا أن الواجبات أكثر من الأوقات، فعاون غيرك على الانتفاع بوقته، وإن كان لك مهمة فأوجز في قضائها.
التعاون بين الأفراد:
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
هذه الآية ترسم السبيل السَّويّ للعلاقة بين أبناء الأمة؛ لرفع شأنها والوصول بها إلى بر الأمان، ومُلخصها في أمرين:
· التساند بين أبناء الأمة في عمل الخير ونشر المعروف بين الناس، مشيرًا إلى ذلك بالبر والتقوى..
· خُذلان دعاة الإثم والعدوان، وألا تمتد إليهم يد للمساندة أو التعاون، فضلا عن النصح بكفِّ الأيدي عن الأذى.
وهذا سرُّ خيرية الأمة الإسلامية، وأساس رسالتها التي تقوم على:
· دعوة الناس جميعًا لعمل الخير والمعروف وكل ألوان البر.
· إزالة الظلم والمنكر بالنصح والإرشاد والحكمة وتطهير المجتمع من المعاصي..
وقد جاء ذلك ملخصًا في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110). كما جاء التحذير للأمة من المنافقين الذين يحملون رسالة الهدم للخير، وبناء صرح المنكر، وفي هؤلاء يقول الله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) (التوبة: 67).
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصوِّر لنا الواقع في صورة بليغة معبِّرة، قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَمْ تَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؟» قَالُوا: وَكَائِنٌ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَأَشَدُّ مِنْهُ سَيَكُونُ»، قَالُوا: وَمَا أَشَدُّ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا، وَرَأَيْتُمُ الْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا؟» قَالُوا: وَكَائِنٌ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَأَشَدُّ مِنْهُ سَيَكُونُ، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف"، قالوا أو كائن ذلك يا رسول الله قال: "والذي نفسي بينه وأشدُّ منه سيكون"، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "بِي حَلَفْتُ، لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً يَصِيرُ الْحَلِيمُ فِيهِمْ حَيْرَان".
وبالتعاون بين أفراد الأمة يمكننا الخروج مما يحيط بنا من فتن، ونقدر على اجتثاث بذور الفساد، وغرس أشجار الخير والمعروف، وتحويل الطاقات الخاملة إلى طاقات منتجة، وسدّ العجز في بعض المهارات التي يحتاجها المجتمع، ومن الجهود المتضامة، والخامات المبعثرة نستطيع أن نشيد اقتصادًا متينًا وأمة حيَّة قوية، ونحن أمة التكافل والتكامل، ولا عجب في ذلك، ألا ترى أن الأنهار التي تجري من حولنا ليست إلا قطرات المطر تجمعت وشقت لها طريقًا؛ لتمنح الحياة في كل أرض سارت فيه، "فلا يحقرنَّ أحدكم من المعروف شيئًا".
ويضرب لنا القرآن الكريم المثل الحي الواضح في قصة بناء ذي القرنين للسدِّ في تجميع الطاقات والجهود، وتوظيف القدرات والإمكانات، والاستفادة الكاملة من الخامات في قصة بناء ذي القرنين للسدِّ الذي أمَّن الناس من المخاوف: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) (الكهف: 94 - 96). ردَّ عليهم عرضهم المالي، ووظَّفهم في تجميع الحديد والنفخ وصبِّ النحاس المذاب، وشيَّد سدًّا وردمًا متينًا يستعصي على التسلُّق أو النَّقب..
وفي المجتمع من حولنا خامات كثيرة مبعثرة وطاقات نائمة أو عاطلة لو أنها تحركت واستفادت من المواد والخامات والطاقات، وقد قال العلماء: إن أسباب النجاح بفضل الله تعالى يتحقق بثلاث ركائز "إخلاص النيات وتوظيف الطاقات وحسن استغلال الأوقات"؛ لتحققت نهضة ولنهضت بالأمة، وإن من أعمال الصدقات أن تعين صانعًا أو تصنع لأخرق: عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ»، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا»، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: «تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ».
اعمل وادع غيرك للعمل:
ولا يصحُّ أن نُلقي بتبعة الارتقاء بالأمة والنهوض بها على الدولة، أو المؤسسات، ونقف موقف المتفرج، أو تستمر ثقافة أن البلد بلدهم التي كانت وقت النظام البائد تدفع إلى السلبية وعدم الولاء أو الانتماء، وأيضًا كل المجهودات التطوعية كانت معطَّلة أو يتم محاربتها، ولا بد أن يتم تغيير هذا الشعور، وتنطلق كل الطاقات في عصر الحرية والولاء والانتماء لمصر الثورة ولمشروعها العظيم، وعلينا الآن أن نملك زمام المبادرة، ويتقدم كل مواطن بما يملك وبما يستطيع من عمل صالح ينفع الناس ويعود عليهم بالخير، ومن لا يستطيع ذلك فليحثّ غيره على العمل والمساهمة في البناء، ألم نسمع لقول الله تعالى مبينًا سبب دخول النار: (إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الحاقة: 33 - 34)، أي أنه قد خلا قلبه من الإيمان بالله سبحانه، والرحمة بالعباد؛ حيث لم يحض على طعام المسكين، وهي خطوة وراء إطعامه. تُوحِي بأن هناك واجبًا اجتماعيًّا يتحاضّ عليه المؤمنون، حتى كل غير القادرين يحضُّون غيرهم من القادرين، ويكونون همزة وصل بين القادر والمحتاج.
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: "إن هذا الدين ليس دين مظاهر وطقوس، ولا تُغني فيه مظاهر العبادات والشعائر، ما لم تكن صادرة عن إخلاص لله وتجرد، مؤدِّية بسبب هذا الإخلاص إلى آثار في القلب تدفع إلى العمل الصالح، وتتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى.
كذلك ليس هذا الدين أجزاء وتفاريق موزَّعة منفصلة، يؤدي منها الإنسان ما يشاء، ويدع منها ما يشاء.. إنما هو منهج متكامل، تتعاون عباداته وشعائره، وتكاليفه الفردية والاجتماعية، حيث تنتهي كلها إلى غاية تعود كلها على البشر.. غاية تتطهَّر معها القلوب، وتصلح الحياة، ويتعاون الناس ويتكافلون في الخير والصلاح والنَّماء.. وتتمثل فيها رحمة الله السابغة بالعباد".
التكافل بين أبناء الأمة:
والتكافل الاجتماعي أساس متين لمواجهة الشدائد التي قد تعترينا ونحن نسترد حريتنا، حيث يجب علينا أن يفيض بعضنا على بعض وأن يواسي بعضنا بعضًا، والواجد يحمل الفاقد، ومن له فضل يمنحه لغيره، وما أجمل هذه النصيحة النبوية للأمة.. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ» ، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ". وهذا أيضًا بين كل الجيران مهما كان موقفهم منك ومعاملتهم لك "ليس منا من بات شبعان وجاره جَوعان وهو يعلم".
إن أبناء الوطن جميعًا يجب عليهم أن يتعاونوا فيما بينهم، ويساهموا في حلِّ ما يعترضنا من مشاكل أو يواجهنا من صعوبات تراكمت من الحكم السابق الفاسد، ويعمل الكثير على أن يجعل منها عقبة كؤودًا في بناء الأمة ونهضتها، ونعمل جميعًا على أن نمسح عن الناس آلامهم، ونسدّ جوعتهم، ونكسوا عريانهم، وما أعظم المنهج النبوي في ذلك، فقد دخل عليه قوم وآثار الفاقة بادية عليهم فتغير لونه وتبدَّل حاله وأمر بالنداء، ثم خطب المسلمين فقال: "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قَالَ- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ». قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ».
أيها الإخوان المسلمون:
لا تيئسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد. ولا زال في الوقت متَّسع، ولا زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد. والضعيف لا يظلّ ضعيفًا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 5).
إن الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام، وإن الفرص ستسنح للأعمال العظيمة، وإن العالم ينظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام؛ لتُخَلِّصه مما هو فيه من آلام، وإن الدَّور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وترجون من الله ما لا يرجون، فاستعدوا واعملوا اليوم، فقد تعجزون عن العمل غدًا.
لقد خاطبت المتحمسين منكم أن يتريَّثوا وينتظروا دورة الزمان، وإني لأخاطب المتقاعدين أن ينهضوا ويعملوا فليس مع الجهاد راحة: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت: 69) وإلى الأمام دائمًا..

والله أكبر ولله الحمد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.