في هذه الأيام ومع وجود الانفلات الأمني الذي ابتليت به بلادنا نرى في طرقاتنا عجبًا، الناس تسير بسيارتهم وكأنهم قد ألغوا عقولهم تماما، وقد جافاهم النظام واحترام حق الغير، مع أنهم لو رفعوا أعينهم إلى السماء ورأوا كيف تسير أسراب الطير في السماء؛ لوجدوا أن كل سرب يسير منظما وبضوابط، تلك هي الطيور فما بالنا نحن البشر، الذين كرمنا الله تعالى وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70]. وللأسف الشديد.. البعض يتخيل أن الإسلام صلاة وطقوس تُؤدى في المساجد فقط، وهذا خطأ كبير.. فالإسلام منهج حياة شامل، لا بد أن يطبق عمليا في شتى مناحي الحياة، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك شاردة ولا ورادة إلا علمنا إياها. لقد حذّر النبي الكريم من الجلوس في الطرقات فقال: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ" [الآداب للبيهقي: 1/110]. بل لقد جعل النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، ففي الحديث: "الإيمانُ بضع وسبعون باباً فأدناه إماطةُ الأذى عن الطريق وأرفعُها قولُ: لا إله إلا الله". فما أحوجنا أن نستشعر هذا الخلق العالي ونحن نسير في طرقاتنا، ولا داعي للسير العشوائي غير المحسوب وغير المنظم، ولا بد من احترامنا لأنفسنا واحترامنا لغيرنا ممن يشاركوننا السير في الطرقات، خاصة مع بداية الدراسة وما تسببه من زحام في الطرقات. ولا بد أن نعلم أن من أزال الأذى عن طريق الناس جزاؤه عظيم عند الله عز وجل فعَنْ أَنَسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَتْ شَجَرَةٌ فِي طَرِيقِ النَّاسِ كَانَتْ تُؤْذِيهِمْ فَأَتَى رَجُلٌ فَعَزَلَهَا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَتَقَلَّبُ فِي ظِلِّهَا فِي الْجَنَّةِ". وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم قَالَ: "مَنْ زَحْزَحَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ، كَتَبَ اللَّهُ له بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ". إننا بحاجة أن نهتم بهذه الأشياء، التي ربما يستبسطها كثير من الناس ولكنها قد تعرقل مصالح جساما، إننا لا بد أن نبرهن على أننا شعب متحضر يحترم الطرق ومن ساروا فيها، أما أن تُستغل الحرية وتحول إلى فوضى فلا.