ال ادو (كينيا) (رويترز) - يجلس مسؤول بالاممالمتحدة يرتدي حلة رسمية وسط الغبار قرب مجموعة من الاكواخ في شمال كينيا وبينما تعبث الرياح برباطة عنقه يخرج جهاز الاي باد ويصور بعناية جيفة متعفنة لبقرة. منذ ان اجتاح الجفاف منطقة القرن الافريقي وخاصة منذ اعلان المجاعة في اجزاء من الصومال تكالبت منظمات الاغاثة على السفر الى مخيمات اللاجئين والمناطق النائية بطائرات وسيارات دفع رباعي. يرى محللون أن هذا السيرك الذي تشارك فيه منظمات الاغاثة والكيانات الدبلوماسية والاعلام ضروري في كل مرة يعاني فيها سكان افريقيا من الجوع لان الحكومات سواء الافريقية أو الاجنبية نادرا ما تستجيب قبل بدء الكوارث بفترة كافية. والى جانب هذا فان هناك دائما تبريرا ساذجا لاسباب المجاعة وترى مجموعة متزايدة من منتقدي جهود الاغاثة أن أجزاء من افريقيا محكوم عليها بدورة لا متناهية من الانذار المبكر الذي يجري تجاهله ثم المناشدات الاعلامية وبرامج التغذية الطارئة التي تطلقها الاممالمتحدة بدلا من التحول الى اكتفاء ذاتي دائم. قال سيمون ليفن وهو محلل في معهد أوفرسيز ديفلوبمنت للابحاث في موقعه على الانترنت "على الرغم من أن هيئات الاغاثة تتأهب للاستجابة.. فان هذا جاء متاخرا كثيرا لعلاج أي شيء بخلاف أسوأ الاعراض." وقال ليفن "الاجراءات التي كان يمكنها الابقاء على حياة الحيوانات وتقديم الحليب والدخل لشراء الغذاء.. كانت ستكون أرخص كثيرا من تغذية الاطفال الذين يعانون من سوء التغذية لكن وقت تلك الاجراءات ولى مع عدم الاستثمار بها بشكل كاف." وتقول بعض منظمات الاغاثة ان الجفاف الذي اجتاح المنطقة التي تشمل مناطق من الصومال وكينيا واثيوبيا هي الاسوأ منذ 60 عاما وتضرر منها اكثر من 12 مليون شخص. وفي أكثر المناطق تضررا في الصومال هناك 3.7 مليون شخص معرضون لخطر الموت جوعا. وقال مستشار انساني كبير في منظمة تابعة للامم المتحدة بالمنطقة طلب عدم نشر اسمه "يبدو مرة أخرى أن الكوارث البطيئة لا تنال الاهتمام الا عندما تصبح حرجة." ومضى يقول "يمكن أن نتفهم هذا الامر مع الكوارث السريعة لانها تظهر فجأة لكن الجفاف... لقد رأيناه من قبل وسنراه مرة اخرى." ويمثل الرجل الذي يصور البقرة النافقة بجهاز الاي باد واحدا في سلسلة من الاجراءات المتنافرة عندما توجهت جوزيت شيران مديرة برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة لمدة يوم الى قرية صغيرة وأكبر مخيم للاجئين في العالم في دداب لمعرفة كيف يقوم البرنامج الذي ترأسه بتوصيل المساعدات الغذائية الطارئة. سمحت شيران بالتقاط صورة لها بجوار الجيف في خطوة تخلو من مراعاة المشاعر ورسمت ابتسامة على وجهها بينما سارع العاملون في برنامجها الى التقاط الصور بالكاميرات والهواتف المحمولة وسط ذهول سكان المنطقة. بعد ذلك أجرى مسؤولون محادثات مصطنعة مع لاجئين تم استغلالها في الرد على أسئلة من عمال اغاثة غربيين يأتون وعلى وجوههم في بعض الاحيان علامات التعاطف ودائما ما يعدون بأن بامكانهم تحسين الاوضاع. قال اندرو كاتلي وهو خبير في شؤون القرن الافريقي في مركز فاينستاين الدولي التابع لجامعة تفتس لرويترز "في حين أن المنظمات الدولية غير الحكومية يمكن أن تكون نشطة للغاية فيما يتعلق بالاستجابة الانسانية فان الكثير منها ليس لديها استراتيجية تنيمة طويلة الاجل لتلك المناطق." ورافق مراسلون شيران لعلمهم أنهم ربما يحتاجون تلك اللقطات المؤثرة التي يمقتها الافارقة أنفسهم للرضع الذين يعانون أكبر حالات الهزال حتى يتمكنون من لفت الانظار أو الالتقاء بأم لديها اكبر عدد ممكن من الاطفال الموتى. لكن بالنسبة للكثير من المحللين فان هذا المهرجان الذي تحدثه منظمات الاغاثة ووسائل الاعلام يسرد القصة في القرن الافريقي بشكل ساذج ومضلل. وهم يقولون ان من الواضح أن هناك جفافا لكن سبب فرار عشرات الالاف من منازلهم بحثا عن الغذاء هو أيضا تزايد العنف في الصومال الى جانب أن التجنيد القصري للقصر يزيد المشكلة تفاقما. وتسيطر حركة الشباب الاسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة على أغلب أجزاء جنوب ووسط الصومال والتي فرضت حظرا على المساعدات الغذائية عام 2010. ومنذ ذلك الحين رفعوا هذا الحظر لكنهم أبقوا على حظر برنامج الاغذية العالمي لانهم يصفونه بأنه "جهاز تجسس". قالت شيران أمام عمال الاغاثة في الميدان بشمال كينيا "القضية ليست سياسية" مضيفة أن الاستجابة للازمة هي الاهم الان وتابعت "الاهم هو انقاذ الارواح." واتهمت حركة الشباب الاممالمتحدة في الاسبوع الماضي بالمبالغة في حدة الجفاف وقالت انها لن تسمح لهيئات ذات "أهداف خفية" بالعودة. ويرى محللون ان جزءا من المشلكة هو أن أغلب التمويل الذي يحصل عليه برنامج الاغذية العالمي وبعض أجهزة الاغاثة الاخرى مصدره الولاياتالمتحدة مما يفتح المجال لاتهامات بالانحياز. وقال عامل اغاثة كبير سابق في منطقة القرن الافريقي "ما يهمهم حقا هو الامن في الصومال. منذ هجمات 11 سبتمبر جاءت التنمية مقابل أهداف امنية من جهات مانحة كبيرة مثل الوكالة الامريكية للتنمية الدولية وادارة التنمية الدولية (البريطانية)." وتابع "القضايا الانسانية والتنمية الحقيقية كان لها المرتبة الثانية في أهدافهم الامنية." ويقول موقع وزارة الخارجية الامريكية على الانترنت انه على الرغم من أن الوكالة الامريكية للتنمية الدولية مستقلة فانها "تتلقى توجيهات عامة ومباديء عامة للسياسة الخارجية من الوزير". كما أن برنامج الاغذية العالمي في موقعه على الانترنت يقول ان الولاياتالمتحدة قدمت 45 في المئة من تمويلها الحكومي منذ بداية عام 2007 أو 7.3 مليار دولار من اجمالي 16.3 مليار دولار. ويقول محللون انه بدون معالجة التعقيدات السياسية التي تؤثر على توسيع المساعدات بل وحتى استخدام كلمة مجاعة فسيظل من الصعب الوقاية من موجات الجفاف أو حتى التعامل معها. وعندما تحدثت رويترز مع عدد من مسؤولي الاغاثة لم يرغبوا في نشر اسمائهم لدى انتقاد نظام الاغاثة خشية فقد وظائفهم أو أن تحظر حكومات افريقية دخولهم لكنهم قالوا ان هذا القطاع يحتاج بشدة الى اصلاحات. وقال أحدهم "بعض هذه المنظمات موجودة في هذه المناطق منذ ما بين 20 و25 عاما وهم يفعلون اليوم ما كانوا يفعلونه قبل 25 عاما."