القاهرة (رويترز) - لم تكد قرية "كفر حميد" بجنوب الجيزة تفيق من صدمة تداعيات الانتفاضة المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك والمتمثلة في تعطل كثير من مصانع الطوب ومحاجر الرمل ومزارع الدواجن التي تمتص عددا لا بأس به من أبناء القرية حتى تلقت صدمة جديدة بعودة المئات من مهاجريها في ليبيا. أحد هؤلاء العائدين هو حسن أو كما ينادونه اقرانه "أبو علي" والذي ورث عن أبيه وباقي افراد عائلته حرفة السفر الى ليبيا التي كانت حتى أسابيع قليلة "أرض الاحلام" بالنسبة لشباب قرية صنفت بين أفقر قرى مصر العقد الماضي. كانت أول رحلة لابو علي (40 عاما) الى ليبيا في نهاية الثمانينات عندما كان المصريون يدخلون ليبيا ببطاقة الهوية الشخصية فقط قبل أن يلغى العمل بهذا النظام قبل عدة سنوات وصار جواز السفر وعقد العمل الموثق شرطا للمرور عبر المعابر بين البلدين. عاد أبو علي من ليبيا هذه المرة بعد أسبوعين فقط من بدء الانتفاضة ضد الزعيم الليبي معمر القذافي. لكنه ترك هناك شقيقه الاصغر واثنين من أبناء شقيقه الاكبر اضافة الى ما قيمته ربع مليون جنيه مصري (نحو 43 الف دولار) كان يستثمرها ببستان للنباتات والزهور في بنغازي شرق ليبيا والتي انطلقت منها شرارة تلك الانتفاضة في 17 فبراير شباط. يقول أبو علي ان أفراد عائلته بخير وانه يتواصل معهم دوريا رغم معاناتهم من نقص الخدمات والسلع وانعدام الامن الى حد كبير. لكنه غير مطمئن على استثماره الصغير الذي يشترك فيه مع ليبيين يقول ان بعضا منهم جاء الى مصر هربا من "جحيم القذافي". ويضيف أبو علي "لهم كل الحق (الليبيون) في أن يثورا ضد القذافي" معددا بعضا من مشاهداته في ليبيا قائلا "هناك عائلات فقيرة جدا رغم ثراء البلاد والتعليم ضعيف وكذا الرعاية الصحية وانعدام الحرية والتقييد على الصحافة حتى ان هناك قناة تلفزيونية ارضية واحدة مسخرة للقذافي والحكومة." رحلات ابو علي المكوكية الى ليبيا في السنوات الاخيرة كانت بواسطة "قدم الخير" وهي الاسم الذي اطلقه تيمنا على سيارة أجرة اشتراها قبل سنوات لتعينه في نقل بضاعته وكذا مسافرين من أبناء القرية وكانت "فاتحة خير" بالنسبة له. قطع حسن مع "قدم الخير" عشرات الالاف من الكيلومترات ذهابا وايابا بين وطن ضن عليه وعلى كثير من اقرانه بالرزق وموطن فاض عليه بخيراته على حد قوله. " رحلة وراء رحلة... واحدة أعادت بناء دار العائلة المتهالك وثانية جهزت عرس شقيق وثالثة لرحلة حج ورابعة لشراء قراريط حولت العائلة من مجرد مزارعين مستأجرين الى أصحاب للارض...لكن دوام الحال من المحال." "قدم الخير" وعشرات من رفاقها في تلك الرحلات تستقر ألان أمام دور أصحابها يعتليها غبار وسناج نتج بعضه عن غابة من المداخن الخاصة بمصانع للطوب توغلت فجأة في الصحراء القريبة دون رقيب أو حسيب. وعلى مسافة قصيرة اجتمع عشرات من الشباب على مقهى بسيط يشاهدون الفضائيات الراقصة فيما افترش اخرون مصاطب أمام منازلهم أو جلسوا على دعامات جسر يربط بين ضفتي قناة للري تجمعت فيها شتى النفايات ومع ذلك يسقى به الزرع والحيوان. يقدر عدد الاسر التي عاد أبناؤها من ليبيا بالقرية بنحو 400 أسرة يمثلون كل تعداد القرية تقريبا. ويضيف ابو علي أن هناك من فضل البقاء ومواجهة المجهول على العودة الى القرية "والجلوس على الجسور بلا عمل". وتقدر وزارة الخارجية المصرية عدد العاملين المصرين في ليبيا بأكثر من مليون شخص عاد منهم أكثر من مئتي الف خلال الاسابيع الماضية اغلبهم خاوي اليدين بعد سنوات طويلة من العمل والاقامة هناك. و ذكر عائدون ان عددا من المصريين قتلوا واصيب اخرون في الصراع الدائر بين قوات القذافي والمعارضة المسلحة. ونشر على الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء المصري على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك http://www.facebook.com/event.php?eid=204735206227097#!/Egyptian.Cabinet.Of.Ministersقرار لرئيس الوزراء بتشكيل " لجنة قومية لحصر العمالة العائدة من ليبيا وخسائرها وخسائر الشركات المصرية المتواجدة فى ليبيا...ودراسة امكانية ادماجهم فى سوق العمل المصرى والمطالبة بالتعويضات المستحقة وكذا حصر المتوفين والمصابين فى هذه الاحداث" ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط عن أحمد البرعي وزير القوى العاملة والهجرة قوله فى تصريح يوم الخميس انه تم حتى الان حصر 120 ألف طلب خسائر تمهيدا للمطالبة بتعويضات فى الوقت المناسب. وبالاتصال هاتفيا بعلي عبدالرحمن محافظ الجيزة الذي تتبعه قرية "كفر حميد" حبذ المحافظ امهاله وقتا اذ تولى مهام منصبه منذ ايام قليلة. وبينما شرع البعض في اكتساب مهارات عمل - ظنوها شاقة في الماضي - لاسيما في فلاحة الارض واعمال البناء والتشييد انشغل اخرون - ومن بينهم أبوعلي - في صيانة واصلاح ما قد تلف في "قدم الخير" وباقي زميلاتها لعل الفرج يكون قريبا وتعاود رحلاتها المكوكية الى "ارض الاحلام" الليبية.