لعل الحضور النسائي الظاهر في انتخابات مجلس الشعب التي دخلت ''الأربعاء'' مرحلتها الثانية يدحض النظرة الاستشرافية حيال المرأة المصرية والعربية التي تتجلى في بعض وسائل الإعلام الغربية الساعية لاصطناع ما قد يبدو غريبا ومثيرا للمتلقي في الغرب بقدر ما يبرهن هذا الحضور المبهج على ما وقر في الوجدان المصري والعربي من أن ''النساء شقائق الرجال''. ولا تبدو هموم واهتمامات وتطلعات النساء في مصر بعيدة أو منفصلة عن هموم واهتمامات وتطلعات الرجال على امتداد الوطن والشعور المشترك بالأولوية المطلقة الآن لاستعادة الأمن وانعاش الاقتصاد. وتجلى ذلك بوضوح في تعليقات ''شقائق الرجال'' اللاتي اصطففن في صفوف تكاد تطول أحيانا عن صفوف الرجال فيما بدت بدرية إسماعيل التي اكتفت بشهادة متوسطة في التعليم التجاري سعيدة بممارسة حقها الانتخابي في مرحلة تعرف بفطرتها النقية ووعيها انها غير عادية بكل المقاييس. شاهد الفيديو اقبال الناخبين ومثل بعض الناخبات اللاتي اصطحبن اطفالهن للجان الانتخابية-اصطحبت بدرية طفلها سمير ابن الأربعة اعوام وقالت وهى تشير نحوه امام لجنتها الانتخابية في بولاق الدكرور:''اعرف ان هذه الانتخابات تهم مستقبل طفلي كما تهمني'' فيما اعربت عن املها في ان يكون للشباب حضورهم المؤثر في البرلمان الجديد. ووسط حالة من البهجة بممارسة الفعل الديمقراطي وتوقعات بمواجهة انتخابية اكثر سخونة-بدأت صباح الأربعاء المرحلة الثانية لانتخابات مجلس الشعب في تسع محافظات هي الجيزة وسوهاج وبنى سويف واسوان والشرقية والمنوفية والبحيرة والاسماعيلية والسويس. ومن الطبيعي الا يغيب الحضور النسائي عن المشهد الانتخابي تماما كما كان ظاهرا ابان ايام ثورة يناير وهى ثورة اعادت السياسة لقلب الشارع المصري بعد عقود بدت فيها هذه الكلمة بمعناها الفعلي وكأنها دفنت واختفت ولم يبق منها سوى مظاهر السلطة التي فقدت ادنى امكانات التواصل الحقيقي مع المواطنين فيما لم يفرق القهر بين الرجال والنساء . ويتم في هذه المرحلة التي تستمر يومين اختيار 120 عضوا بنظام القائمة في 15 دائرة و60 اخرين بالنظام الفردي في 30 دائرة ويقدر عدد الناخبين بنحو 19 مليون ناخب. وإذا كان احترام نتائج الصندوق هو جوهر فلسفة العملية الانتخابية في أي نمط ديمقراطي فان علماء السياسة يتفقون على ان مدى مشاركة المرأة في العملية الانتخابية تصويتا وترشيحا مرتبط بمستوى تطور المجتمع في بنيته الاقتصادية والاجتماعية وبنيانه السياسي والثقافي. شاهد الفيديو برلمان الثورة واللافت في الانتخابات الحالية لمجلس الشعب مشاركة النساء على اختلاف شرائحها الاجتماعية ومستوياتها التعليمية وتوجهاتها الفكرية والسياسية بما يعكس ادراكا ووعيا بأهمية المرحلة القادمة والمشاركة في بناء المستقبل الأفضل رغم صعوبات تواجهها السيدات المسنات على وجه الخصوص في الادلاء بأصواتهن . وكما هو الحال بالنسبة للرجال-اشارت ناخبات الى ظاهرة تضخم عدد المرشحين ووجود الكثير من القوائم لكثرة عدد الاحزاب والائتلافات المتنافسة في الانتخابات الحالية غير ان ملامح الارتياح بدت واضحة على ''شقائق الرجال'' حيال اجراءات حماية اللجان الانتخابية. وكان المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد اكد على ضرورة تكثيف الإجراءات الأمنية لتأمين عمليات الاقتراع والفرز وتحقيق اقصى درجات الشفافية والنزاهة وتلافى الأخطاء والصعوبات والملاحظات التي ظهرت في المرحلة الأولى. وإذا كان معلقون في الصحافة المصرية قد أكدوا على ضرورة الا يشعر أي طرف خاسر في الانتخابات بالقلق مادام الشعب حاضرا ومتفاعلا ومشاركا فان الحضور النسائي يبقى قضية هامة في سياق العملية الانتخابية الحالية وفلسفة احترام خيارات الناخبين. ودعا المعلق والمحلل وحيد عبد المجيد كافة الأحزاب والقوى السياسية الى ''الثقة في شعب مصر وقدرته على الاختيار'' مؤكدا على انه ''ليس في امكان من لا يثق في شعبه ان يتطلع الى فوز انتخابي او الى دور سياسي يعتد به''. وفيما أثيرت تساؤلات حول مواقف الإعلام حيال قضايا المرأة - ذهب معلقون إلى أنه لا يجوز النظر لقضايا المرأة باعتبارها قضايا فئوية ودعت هبة لوزة في صحيفة الأهرام وسائل الإعلام للمساعدة في تغيير الثقافة المجتمعية السائدة وتعبئة الرأي العام لمساندة قضايا المرأة التي هي جزء من قضايا المجتمع. ونوهت هذه الكاتبة بأن المرأة في كل المجتمعات هي حافظة الهوية والوطن وبدون مشاركتها الحقيقية لن تتحقق التنمية المنشودة فيما لم تخف نهاد ابو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة قلقها حيال تراجع نسب ترشيح النساء في الانتخابات الحالية والترتيب المتأخر للنساء على القوائم الانتخابية للأحزاب . وفى الاتجاه ذاته - لفتت إيمان بيبرس رئيسة جمعية نهوض وتنمية المرأة الى الدور النسائي خلال ثورة يناير وتضحية المرأة المصرية بحياتها من اجل قضية الحرية والعدالة فيما تقول الناخبة هدى سعيد انها حريصة على اختيار مرشحة من بين المتنافسين على المقاعد الفردية في مجلس الشعب الجديد على امل دعم فرص الحضور النسائي في البرلمان . وحسب إحصاءات معلنة فان نسبة تمثيل المرأة في البرلمانات على مستوى العالم لا تتجاوز 13 في المائة من مجموع أعضاء هذه البرلمانات وقد يشعر البعض بالدهشة حيال حقيقة مثل وجود الولاياتالمتحدة ضمن الدول التي لم تصادق بعد بصورة نهائية على المعاهدة الدولية لإزالة جميع اشكال التمييز ضد المرأة المعروفة بالاختصار ''سيداو''. وخلافا لرؤية استشراقية فى بعض وسائل الاعلام الغربية التى تجنح احيانا نحو صور غرائبية لاتعبر بصدق عن الواقع فان تعليقات نسائية مصرية تظهر بوضوح ادراكا اصيلا بأن قضايا المرأة هى قضايا الرجل داخل الوطن الواحد وانه لامجال كبير للفصل التعسفى على اساس الذكورة والانوثة. وتقول الطالبة الجامعية حنان فريد انه من الأهمية بمكان ان تكون الانتخابات الحالية بمثابة منصة لعرض السياسات والبرامج والأفكار المبتكرة لاعادة بناء مصر على اسس سليمة فقضية مثل التعليم على سبيل المثال لابد وان تكون موضع اهتمام كبير. وتتفق الطبيبة ايمان فاروق مع هذا الرأى مشيرة الى الثورة المعرفية التى يعيشها العالم وضرورة الاستفادة من ثمار هذه الثورة فيما تعتبر انه كلما اقترب المرشحون فى الانتخابات الحالية من هموم رجل الشارع كانت فرصهم اكبر فى الفوز. أما رباب محمود التى تعمل فى قطاع التعليم فتعيد للأذهان ان تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية فى عام 2010 كان احد اهم اسباب ثورة 25 يناير معتبرة ان المصريين شعروا بالاهانة جراء هذا التزوير المفضوح. ونوهت بأن من ثمار هذه الثورة المجيدة هذا المشهد الانتخابى الرائع واصطفاف الناخبين للادلاء بأصواتهم دون ضغط او ارغام حتى انها مثل كثيرين غيرها تشارك لأول مرة فى الانتخابات لأنها تدرك ان صوتها لن يزور. ومنذ بدء حملات الدعاية الانتخابية رسميا للمرشحين فى اول انتخابات برلمانية بعد ثورة يناير تشكلت لحظة تاريخية فريدة فى بنية الثقافة السياسية المصرية فيما يبقى التصويت دالا على ممارسة المسؤولية الديمقراطية تماما كما ان الخروج الكبير للمصريين رجالا ونساء للجان الانتخابية هو ابلغ دليل على جدارة هذا الشعب بالديمقراطية. وعبر معلقون عما يعتمل فى الضمير الوطنى المصرى بضرورة الا تتحول هذه الانتخابات بأى حال من الأحوال الى فرصة يستغلها الراغبون فى تمزيق الشعب المصرى وتحويله الى معسكرات متقاطعة ومتخاصمة فالانتخابات فى حد ذاتها ليست غاية وانما وسيلة ديمقراطية غايتها فى نهاية المطاف خدمة مصر واعلاء شأن الوطن وحل المشاكل الملحة مثل انخفاض معدلات الانتاج والبطالة والفقر والعشوائيات. وترى منى ابراهيم التى تعمل مهندسة مدنية أن الانتخابات هى الطريق الواضح للخروج الآمن من المرحلة الانتقالية ودفع عجلة الاقتصاد من جديد بقدر ماتشكل الاختبار الحقيقى للأحزاب المتنافسة ومدى قبولها الشعبى. واذا كانت المرأة المصرية قد نهضت بدور هام فى ثورة 25 يناير فانها مدعوة شأنها شأن كل مكونات المجتمع المصرى للقيام بدور لايقل اهمية فى بناء مجتمع جديد يرتكز على الحرية والعدالة وصياغة بنية ثقافية-اجتماعية مواتية للتقدم فى سياق معطيات القرن الحادى والعشرين عبر صناديق الانتخابات. ومن نافلة القول ان العنصر الرئيسى الذى يحدد نجاح الانتخابات او فشلها هو الاقبال الشعبى على المشاركة فيها. ''نعم''.. مصر الأن تتغير للأفضل وشعبها يصنع مستقبله بالفعل الديمقراطى الحر وحرية الاختيار وكما يصطف المصريون - رجالا ونساء - أمام صناديق الانتخابات لا بد من الاصطفاف والعمل الجاد بالسواعد المخلصة لبناء مجتمع السعادة والكرامة والتقدم والجمال..وهنا فليقل كل مصرى ومصرية ''أنى هنا''.