بيروت (رويترز) - يواجه الرئيس السوري بشار الاسد أكبر تحد لحكمه الممتد منذ 11 عاما وقد لجأ تارة الى القمع وتارة الى تقديم المنح الاقتصادية ووعود الاصلاح لاخماد موجة احتجاجات شعبية لم يسبق لها مثيل مستمرة منذ شهر. غير أن الاضطرابات التي تقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الانسان انها أودت بحياة اكثر من 200 شخص منهم 17 يوم الاثنين لا تتجه الى الهدوء. وحكم الاسد ومن قبله والده الراحل حافظ الاسد سوريا بقانون الطواريء المطبق منذ عام 1963 ودعم حكمه حزب البعث والجيش ومجموعة من الاجهزة الامنية المرهوبة. وفي حين أن السوريين الذين يطالبون بالحرية ليسوا في وضع يسمح باسقاط الاسد فانه لا يمكن لاي حاكم عربي أن يشعر بالامان في منطقة شهدت هذا العام سقوطا سريعا لرئيسي مصر وتونس. انتهجت عائلة الاسد سياسات خارجية يمكن التكهن بها نسبيا. وتقف سوريا في محور العديد من الصراعات في الشرق الاوسط وسيمثل اي تغيير سياسي فيها مشكلة كبيرة لاصدقائها وأعدائها على حد سواء في المنطقة. فيما يلي بعض السيناريوهات لما قد يحدث في سوريا والمخاطر والفرص التي ستنطوي عليها: - احتفاظ الاسد بالسلطة وتطبيقه اصلاحات من الممكن ان يختار الرئيس السوري الانحناء للريح. وقالت الوكالة العربية السورية للانباء ان الحكومة السورية أقرت يوم الثلاثاء مشروع قانون يقضي برفع حالة الطوارئ في البلاد بعد قرابة نصف قرن من فرضها. لكن المحتجين يريدون دليلا على أن الرئيس (45 عاما) يستطيع أن يطوي صفحة الماضي ويفتح صفحة جديدة. كان الاسد قد رفض فيما سبق الاصلاح السياسي. وفشلت محاولاته لتحديث الاقتصاد اشتراكي الطابع في توفير فرص عمل كافية او تخفيف معاناة المواطنين. وتكمن مشكلة الاسد في أن تفكيك جهاز القمع وارساء سيادة القانون للتغلب على الفساد او السماح لاحزاب جديدة بتحدي حزب البعث ستزيل ركائز حكمه دون ضمانات لاستمراره السياسي. ومن شأن اتباع هذا المسار الذي ينطوي على مخاطرة كبيرة أن يكسب الاسد دعما شعبيا لكنه سيضطر الى تقويض بطانته والتخلص من القالب الشمولي المتبع منذ وصول والده حافظ الاسد الى السلطة عام 1970 . - سحق حركة الاحتجاجات قبل نحو 30 عاما أخمد حافظ الاسد انتفاضة مسلحة قادها الاسلاميون وقتل الالاف في مدينة حماة في عمليات عسكرية حجبها عن أنظار العالم. ويصعب في يومنا هذا الافلات من ارتكاب عنف بهذه الدرجة حين يستطيع السوريون على الرغم من القيود الحكومية على وسائل الاعلام استخدام كاميرات هواتفهم المحمولة لنشر لقطات للاحتجاجات على موقع يوتيوب على الانترنت. غير أن وزارة الداخلية الان تقول ان سوريا تواجه تمردا مسلحا من قبل السلفيين. ولا تتورع قوات الامن التي يقودها أقارب الاسد وحلفاؤه عن اعتقال المعارضين او استخدام الهراوات والرصاص والغاز المسيل للدموع مع المحتجين. والصمود فيما يبدو هو الخيار المرجح بالنسبة للاسد فيما يسعى الى حشد تأييد الاقلية العلوية التي ينتمي اليها ومن قطاعات من الاغلبية السنية والكثير من السوريين الذين لهم مصلحة في الوضع القائم. - تنحي الاسد او الاطاحة به لا يزال تغيير النظام الذي لم يكن ليخطر ببال قبل بضعة أسابيع احتمالا ضعيفا غير أن استمرار الاحتجاجات على الرغم من الحملات العنيفة التي تشنها قوات الامن يزيد احتمال أن يرضخ الاسد. ما قد يحدث تاليا هو انتقال سلمي للسلطة او انقلاب عسكري او تزعزع الاستقرار لفترة طويلة او حرب أهلية. وأدى اسقاط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 2003 الزعيم البعثي الوحيد الاخر في العالم العربي الى انزلاق العراق لسنوات في الفوضى وأعمال العنف. وتهيمن الاقلية العلوية التي تمثل عشرة في المئة من السكان في ظل حكم حزب البعث على سوريا ذات الاغلبية السنية وهي تعاني من انقسامات عرقية وطائفية في وجود الاكراد فضلا عن الطائفتين المسيحية والدرزية. وأكد المتظاهرون المناوئون للاسد التمسك بالوحدة الوطنية لا الهويات العرقية او الطائفية الضيقة ودعا كثيرون الى الاصلاح وليس تغيير النظام. لكن اذا انهار حكم البعثيين فستدخل سوريا الى المجهول وقد تظهر التوترات التي ظلت مختبئة طويلا الى السطح. - التداعيات الاقليمية في اطار اي سيناريو يرجح أن تنشغل سوريا بمشاكلها الداخلية لاشهر كثيرة مما يقلل احتمالات اضطلاعها بأي مبادرة مهمة مثل استئناف مفاوضات السلام مع اسرائيل بشأن مرتفعات الجولان المحتلة. وسيكون لاي تغيير للنظام أصداء في أنحاء العالم العربي وايران. ولاتزال سوريا رسميا في حالة حرب مع اسرائيل ولها حدود ايضا مع لبنان وتركيا والعراق والاردن. وقد تأسف اسرائيل اذا سقط الاسد. وعلى الرغم من أنه ساعد في تسليح مقاتلي حزب الله في لبنان ويستضيف قيادات حركتي حماس والجهاد الاسلامي فانه حافظ على الهدوء الذي يسود الحدود الاسرائيلية السورية منذ حرب عام 1973 . وربما تؤدي الاضطرابات في سوريا الى اطاحة جماعات اسلامية او قومية أشد عداء لاسرائيل بحزب البعث البراجماتي. وقالت الولاياتالمتحدة المنشغلة بالوضع في أفغانستان والعراق وليبيا يوم الاثنين انها لا تعمل على تقويض الحكومة السورية غير أن صحيفة واشنطن بوست ذكرت نقلا عن برقيات دبلوماسية امريكية مسربة أن سوريين يعيشون في المنفى ومعارضين اخرين تلقوا من الولاياتالمتحدة تمويلا يصل الى ستة ملايين دولار منذ عام 2006 . وعلى الرغم من معارضة سوريا للسياسات الامريكية والاسرائيلية في الشرق الاوسط فانها تخطو بحذر لتوازن بين أيديولوجية القومية العربية التي تعتنقها والعلاقات مع ايران مقابل رغبتها بأن تحظى بالقبول في الغرب وتحقق السلام في نهاية المطاف مع اسرائيل. من ناحية أخرى سترى واشنطن مزايا في ظهور قيادة سنية جديدة في دمشق قد تنهي تحالف سوريا مع ايران الشيعية ودعمها لحزب الله اللبناني الممتد منذ ثلاثة عقود لصالح علاقات أوثق مع السعودية وقوى عربية سنية أخرى. وسيعيد هذا تشكيل المشهد السياسي في لبنان حيث يتمتع الآن حزب الله وحلفاؤه الشيعة ومسيحيون باليد العليا على خصومهم من السنة ومسيحيين معارضين مدعومين من الولاياتالمتحدة. وأي تقليص لتحالف ايران مع سوريا الموصل الرئيسي للمساعدات لحزب الله وحماس سيضر بقدرة طهران على استعراض نفوذها في الشرق الاوسط. وسيشعر العراق المنافس البعثي السابق لسوريا والذي لم يكتمل بعد وفاقه مع جارته بتداعيات اي اضطرابات في دمشق التي لعبت كثيرا دورا متأرجحا في جارتها الشرقية منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة للعراق عام 2003 . والسيناريو الاخطر بالنسبة للبنان والعراق والمنطقة سيكون نشوب صراع عرقي او طائفي في سوريا اذا خسرت البلاد هويتها البعثية العلمانية مما سيذكي التوترات في دول أخرى بين السنة والشيعة والعرب والأكراد والمسلمين والمسيحيين.