كان الاقتصاد القطري واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم على مدى السنوات القليلة الماضية، (نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بمعدل سنوي مركب بلغ 23 بالمئة بين عامي 2003 و2010). وعلى الرغم من الأزمة المالية العالمية، حافظ النمو على وتيرته السريعة، حيث وصل إلى ما يقارب 16 بالمئة في 2010. لكن مع وصول الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز ذروتها في العام 2011، سيتوجب على القطاعات الأخرى أن تقود النمو الاقتصادي مستقبلاً من أجل تحقيق أهداف قطر طويلة المدى، ضمن الرؤية الوطنية 2030، ومخططات استضافة كأس العالم في العام 2022. ويبدو أن الحكومة القطرية عازمة على الحفاظ على وتيرة النمو السريعة هذه بالوسائل المتاحة لديها كافة. فمن الناحية الإنفاق الحكومي، تم الكشف عن استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016، والتي خصصت لها ميزانية بقيمة 125 مليار دولار. ومن الناحية النقدية، خفض «مصرف قطر المركزي» أسعار الفائدة بواقع 50-55 نقطة أساس، بهدف تسهيل الأوضاع النقدية وتحفيز الإقراض. وتقع استراتيجية التنمية الوطنية 2011-2016 ضمن الرؤية الوطنية لقطر 2030، وتهدف إلى إنفاق 125 مليار دولار أمريكي على مدى 5 سنوات، أي بما يشكل 25 بالمئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الفترة. ويهدف هذا الإنفاق إلى تعزيز مستوى البنية التحتية لقطر لكي تستوعب النمو السكاني والاقتصادي السريعين، وإلى دعم النمو في القطاعات الاقتصادية الأخرى من خارج النفط والغاز، وأخيراً أن يرسي قواعد الاستثمارات المستقبلية في ظل خطط قطر لاستضافة كأس العام في العام 2022. وبالتالي، من شأن هذا الإنفاق أن يعزز دور القطاع الخاص في الاقتصاد. وسيتوزع هذا الإنفاق على ثلاث جهات: الشركات القطرية شبه الحكومية (باستثناء قطر للبترول والشركات المرتبطة بها) بحصة تفوق 130 مليار ريال قطري (36 مليار دولار)، ينفق القسم الأكبر منها على مشاريع الإسكان، وشركة قطر للبترول والشركات المرتبطة بحصة تبلغ 88 مليار ريال قطري (24 مليار دولار) لتوسيع قطاع البتروكيماويات. وأخيراً، الحكومة بحصة تتجاوز 65 مليار دولار، ينفق القسم الأكبر منها على تعزيز مستوى البنية التحتية للبلاد. وخفض «مصرف قطر المركزي» أسعار الفائدة على الإقراض والودائع في الخامس من أبريل 2011 بمقدار 50 نقطة أساس، لتصل إلى 5 و1 بالمئة على التوالي، وذلك في خطوة هي الأولى منذ شهر أغسطس 2010. كما خفض «البنك المركزي القطري» سعر فائدة إعادة الشراء بمقدار 55 نقطة أساس، ليصل إلى 5 بالمئة. ويهدف مصرف قطر المركزي من خلال هذا التحرك، إلى معالجة أمور عدة في آن واحد. فمن جهة، من شأن خفض سعر فائدة الإقراض وإعادة الشراء أن يخفض من تكلفة القروض، وذلك من أجل تحفيز القروض الممنوحة إلى القطاع الخاص، بعدما تباطأ نموها بشكل ملحوظ من معدلات مرتفعة فاقت ال40 بالمئة قبل الأزمة المالية العالمية، إلى 8 بالمئة في فبراير (على أساس سنوي). ومن جهة ثانية، يهدف هذا التحرك أيضاً إلى مساعدة البنوك المحلية على تمويل الإنفاق الحكومي الكبير عن طريق جعل أسعار الإقراض لدى البنوك القطرية منافسة لتلك التي لدى البنوك العالمية القادرة على الاستفادة من أموال قليلة التكلفة في الأسواق العالمية. فعلى عكس الدول الخليجية الأخرى، تعتمد حكومة قطر على التمويل التجاري بشكل كبير، إضافة بالطبع إلى مساهمة صندوقها السيادي. وقد تضاعفت القروض الحكومية تقريباً في السنتين الماضيتين، وشكلت عاملاً رئيساً لنمو الائتمان. وإضافة إلى ذلك، لا توجد مخاوف حقيقية بشأن معدلات التضخم في الوقت الحالي، إذ بعد انكماشها في عامي 2009 و2010، يفترض أن تبقى الضغوط التضخمية متواضعة العام الجاري عند مستوى يقارب 4 بالمئة. من جهة ثانية، من شأن خفض سعر الفائدة على الودائع أن يرفع على البنوك تكلفة السيولة التي تحتفظ بها، لذا يأمل مصرف قطر المركزي أن يشجع ذلك البنوك على الإقراض أكثر. كما سيقرب ذلك أسعار الفائدة في قطر من تلك في الولاياتالمتحدة، ويحد من بعض الممارسات المضاربة، كمحاولة البعض اقتراض الدولار (الذي يرتبط به الريال القطري) بسعر منخفض من الأسواق العالمية، وإيداعه في قطر بأسعار مرتفعة لجني أرباح. المصدر : جريدة الرؤية الاقتصادية الاماراتية