تضطر ليبيا لدفع علاوات سعرية على واردات الغذاء ويقول تجار إن بعض الشركات الأجنبية تحول الشحنات إلى أماكن أخرى نظرا لمخاوف من أن تؤدي الفوضى المتزايدة في البلاد لتأجيل مدفوعات وهي ما تصفها طرابلس بأنها مخاوف بلا أساس. وليبيا مشتر كبير للمواد الغذائية وكثفت مشترياتها من السلع الرئيسية مثل القمح والسكر منذ نهاية القتال الذي أطاح بمعمر القذافي العام الماضي. وتمتلئ أرفف المتاجر في طرابلس بالمنتجات المستوردة. لكن بالرغم من ان التجار الدوليين كانوا يعتبرون ليبيا المنتجة للنفط سوقا مربحة فإن بعضهم يقول الآن إنهم يحجمون عن الدخول في معاملات تجارية معها. وقال تاجر حبوب أوروبي "ليبيا لديها ثروة نفطية ضخمة لكن الفوضى الادارية والمخاوف من عدم الدفع لا تزال تعطيها سمعة سيئة في التجارة الدولية." ولم تستطع الشركات التي اتصلت بها رويترز ذكر حالات فعلية للتخلف عن السداد من جانب مستوردين ليبيين واكتفت بالإشارة لعدم ارتياح من احتمال تأخر الدفع لأسباب من بينها البيروقراطية. وقال تاجر أوروبي آخر "هناك علاوة سعرية غير معلنة في تجارة الحبوب يتعين على ليبيا دفعها مقابل الواردات بالرغم من حقيقة أن ثروتها النفطية الضخمة تجعلها عميلا من الدرجة الأولى. "يحتاج التجار لفرض العلاوة السعرية بسبب مخاطر عدم السداد وحالة عدم اليقين العامة التي تحيط بالحكومة الفوضوية جدا هناك." وأشار التجار إلى مناقصة في 14 نوفمبر تشرين الثاني دفعت فيها ليبيا 395 دولارا للطن شاملة التكلفة والشحن لشراء ثلاثين ألف طن من القمح اللين. وقال تاجر الثاني "في نفس اليوم دفع الأردن وهو ليس بأي حال من الأحوال دولة غنية لكنه ... شريك تجاري موثوق فيه 378 دولارا للطن شاملة التكلفة والشحن لخمسين ألف طن من قمح أعلى جودة بما في ذلك تكاليف شحن أعلى." والجهات المستوردة الرئيسية للحبوب في ليبيا هي الوكالات التابعة للشركة الوطنية للمطاحن والأعلاف في طرابلس وبنغازي التي تعلن عن مناقصات وتبيع سلعا مطحونة للوكالة الحكومية التي تضمن أسعارا مستقرة للمواد الغذائية عن طريق الدعم. وبينما تعطي هذه العملية بعض الحماية لليبيين فإن أسعار الاستيراد الأعلى ستكون مكلفة بالنسبة لالية الدعم. وهناك أيضا مشترون أصغر في القطاع الخاص. ونفى مسؤولون وجود أي مشكلات بالنسبة للشركات الأجنبية في تأمين الدفع لكن البعض اعترف بمشكلة في التصورات المأخوذة عن ليبيا بعد الصراع الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة. وقال مسؤول تسويق بالشركة الوطنية للمطاحن والأعلاف في طرابلس "لا توجد مشكلة بالنسبة للائتمان فالعلاقة التجارية واضحة والأمر يتعلق أكثر بالثقة. "لا تزال هناك شركات تخشى من الوضع في ليبيا بعد أحداث العام الماضي." وقال المسؤول إن بعض التجار يطلبون سعرا أعلى لكنه أضاف "سيتحسن الوضع وستكون هناك شروط افضل." وقال سليمان الديب رئيس الشركة الوطنية للمطاحن والاعلاف في بنغازي الذي تولى منصبه بعد الحرب إن الصناعة تلبي بالمعايير العالمية. وأضاف "البنوك تضمن صفقاتنا وعندما تصل (السلع) بالمواصفات اللازمة فسيدفع البنك القيمة المالية على الفور كما تنص العقود." ونجح حكام ليبيا الجدد في قيادة البلاد إلى أول انتخابات حرة في يوليو تموز لكن الوضع الأمني متدهور في بلد يعج بالاسلحة. كما ورث هؤلاء الحكام اقتصادا في حالة من الفوضى ويعتمد على الحكومة المركزية ويعاني من الفساد منذ فترة طويلة. وتظهر بيانات وزارة الزراعة الامريكية أن استهلاك ليبيا من القمح سيبلغ نحو 1.65 مليون طن في 2012-2013 دون تغير عن 2011-2012 وبانخفاض طفيف عن 2010-2011 البالغ 1.7 مليون طن. وأغلب هذه الكمية مستوردة. وتعتمد ليبيا أيضا على واردات السكر الأبيض ويقدر متوسط استهلاكها السنوي من السكر بما بين 230 ألفا و 235 ألف طن في السنوات الأخيرة طبقا للمنظمة الدولية للمعايير. وقال مصدران تجاريان منفصلان إن بعض شحنات السكر الأبيض جرى تحويلها في الأسابيع الأخيرة إلى وجهات أخرى بسبب القلق من عدم الدفع في الوقت المحدد. وقال تاجر في السلع الأولية مقره الشرق الأوسط "هناك مشاكل متنامية بشأن الدفع وسأنسحب من سوق السكر الليبي. البلد لم يستقر بعد بالقدر الكافي سياسيا ولا اقتصاديا. هناك شعور بأن الناس باتوا أكثر حذرا بشأن التجارة مع ليبيا." وأضاف تاجر سكر مقيم في أوروبا "السوق ليست واثقة بعد في هذا البلد في الوقت الحالي." ويقول صندوق استقرار الأسعار في ليبيا الذي يشتري دقيق القمح ومعجون الطماطم (الصلصة) والسكر والأرز انه لم يعلن عن أي مناقصات دولية لاستيراد السكر في 2012 لكنه يشتري من شركات ليبية في أعقاب حرب العام الماضي. وأشار عدد من تجار السكر إلى ضرورة استخراج أوراق اضافية مثل شهادة بالموافقة النهائية من السلطات الصحية الليبية قبل الدفع للسلع المشحونة. ويقال إن بعض العقود من العام الماضي لا تزال قيد المراجعة والتدقيق. وقال مصدر تجاري آخر "التاجر عادة ما يكون مشغولا .. هل تعتقد أن لديه الوقت للتعامل مع هذا؟ هذا يجعل الأمر بالغ التعقيد بالنسبة للبعض." وقال آخرون إن هناك مخاوف بشأن الانتشار المحتمل للفساد المالي بعد انهاء حكم القذافي والذي رسخ الفساد. واحتلت ليبيا العام الماضي المرتبة 168 من 183 دولة في مؤشر نظمة الشفافية الدولية السنوي والذي يرصد الفساد. وقال رئيس المؤتمر الليبي العام محمد المقريف في كلمة تلفزيونية الأسبوع الماضي إن الفساد سيكون عقبة أمام جهود البرلمان لتطوير الثروة الليبية. وأضاف أن الفساد ثقافة موروثة من الماضي ويتعين وضع حد لها. وأبلغ صلاح مخزوم نائب المقريف رويترز أن البرلمان شكل لجنة لبحث سبل مكافحة الفساد. وقال إن هناك ايضا لجنة تشرف على التجارة الأجنبية. وأدت حكومة جديدة اليمين الدستورية في نوفمبر لكن لم يتسلم عدد من الوزراء المقترحين وبينهم وزير الداخلية مناصبهم حيث يجري بحث أوراق الاعتماد التي تؤهلم لهذه المناصب. وقال جيه بيتر فام مدير افريقيا بمركز الابحاث الامريكي اتلانتيك كاونسيل "سيستغرق الامر أعواما حتى يتجاوز الليبيون ثقافة الشك والفساد التي كانت تمثل التراث الحقيقي للقذافي. "ومن ناحية أخرى فإن البلد ليس لديه متسع من الوقت اذا اراد توليد قوة دافعة كافية فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والسياسية ليعطي لجماعاته المختلفة سببا كافيا ألا تمزق البلاد." (إعداد علي خفاجي للنشرة العربية - تحرير محمود عبد الجواد) من جوناثان سول وماري لويز جوموتشيان