دبى - وصف خبراء ومحللون ماليون توقعات صادرة عن بنك الكويت الوطني حول النمو المتوقع للاقتصاد الإماراتي خلال العامين الجاري والمقبل بأنها متشائمة ومتحفظة أكثر من اللازم. وتوقع البنك في دراسة صدرت أمس، أن يحقق الناتج المحلي بالأسعار الثابتة نمواً سنوياً بنسبة 3.3 بالمئة في 2012، وأن تتراجع هذه النسبة إلى 2.7 بالمئة في 2013، أي بوتيرة أبطأ من السنوات الماضية، بينما بلغت هذه النسبة 3.5 و4 بالمئة على التوالي في الناتج المحلي غير النفطي. وقال الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي للخدمات المالية محمد علي ياسين، إن هذه التوقعات غير واقعية ومتحفظة للغاية، وقد تكون تبنت في فرضياتها السيناريو الأسوأ. وأوضح أن المؤشرات ترجّح أن تصل نسبة النمو إلى 4.5 بالمئة في نهاية العام الجاري، وأن تزيد لا أن تقل كما توقعت الدراسة خلال العام 2013. وذكر أن هناك عدداً كبيراً من المؤشرات على تعافي القطاعين الرئيسين اللذين تأثرا أكثر من غيرهما بتداعيات الأزمة المالية العالمية، وهما البنوك والعقار. وأضاف وأظهرت البيانات المالية للشركات العاملة في هذين القطاعين تحسناً قياسياً في ربحيتها، بعدما نجحت البنوك من جهتها خلال سنوات سابقة في تجنيب المخصصات اللازمة للقروض المشكوك في تحصيلها، وتحررت ميزانياتها إلى حد بعيد من هذا العبء الثقيل. وتباع ومن جهة أخرى، لم تعد الشركات العقارية في حاجة إلى تجنيب مخصصات لتراجع قيمة الأصول من العقارات والأراضي، بعد عودة الأسعار للصعود أو إلى الثبات على أقل تقدير، خلال النصف الأول من العام الجاري، بعد سنوات من الانخفاض المتواصل. واتفقت رئيسة قسم التحليل المالي في شركة الفجر للأوراق المالية مها كنز، مع ما ذهب إليه ياسين، وقالت إنها بالفعل توقعات متشائمة. وأرجعت رأيها إلى أن كل المؤشرات ترجح أن تسجل القطاعات غير النفطية من الاقتصاد الإماراتي معدلات نمو قياسية، خصوصاً السياحة والخدمات اللوجيستية وتجارة التجزئة وإعادة التصدير وغيرها. وقالت إن التقارير الصادرة عن جهات محايدة تشير إلى أن الإمارات تحولت إلى واحدة من الوجهات السياحية المفضلة ليس فقط للعرب والخليجيين ولكن أيضاً للأجانب، وذلك بسبب الظروف السياسية التي مرت بها عدد من المقاصد السياحية في المنطقة منذ بداية العام 2011. ومن جهته، قال رئيس الاستثمارات في مجموعة شركات الزرعوني، وضاح الطه، إن البيانات الصادرة عن مصرف الإمارات المركزي تشير إلى زيادة مطردة في معدلات الإقراض للمؤسسات والشركات منذ مطلع العام الجاري، ما يؤكد أن هناك رغبة في التوسع بالنسبة للشركات القائمة وكذلك اتجاه إلى تأسيس مزيد من الشركات وإطلاق مشاريع جديدة. وقال إن اللافت في الدراسة أنها أقرت بأن البيانات الواردة عن الربع الأول من 2012 إيجابية بما في ذلك الائتمان والمعاملات العقارية ومؤشر استطلاع مديري المبيعات لشركات القطاع الخاص. ولكنها اعتبرت أن هذه البيانات قد تظهر نوعاً من المبالغة في وتيرة التحسن، حيث إن النشاط عادة ما يكون أقوى مع بداية العام قبل أن يتراجع بعض الشيء في فترة الصيف. وذكرت الدراسة أنه رغم انتعاش الاقتصاد بشكل تدريجي، يبقى هناك بعض المحاذير المرتبطة بإعادة هيكلة وتمويل ديون الشركات المرتبطة بحكومة دبي، والسعي إلى خفض العجز المالي. ونظراً إلى علاقاتها القوية مع الخارج في قطاعي التجارة والنقل، فإن الإمارات تبقى أكثر عرضة من جيرانها للتأثر بأي اضطرابات اقتصادية تحدث على الساحة العالمية. وكانت الدراسة التي أصدرها البنك أمس ضمن نشرته الاقتصادية لدول الخليج توقعت أن ينمو القطاع غير النفطي في الإمارات بنسبة تتراوح بين 3 إلى 4 بالمئة خلال السنوات القليلة المقبلة، أي بوتيرة أبطأ من السنوات الماضية. ونسبت إلى صندوق النقد الدولي تقديرات تشير إلى أن الديون القائمة على الشركات المرتبطة بالحكومة تبلغ 185 مليار دولار (تشكل 51 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، يستحق منها بين 25 مليار دولار و30 ملياراً سنوياً (توازي 7 بالمئة إلى 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي) خلال السنوات الثلاث المقبلة. ورأت أن من شأن ذلك أن يجعل الشركات التابعة للحكومة أكثر اعتماداً على الظروف المناسبة للأسواق المالية، والنمو الاقتصادي الجيد لدعم التدفق النقدي وقيمة الأصول. وأضافت أنه «ونظراً إلى حالة عدم اليقين التي تسود آفاق الاقتصاد العالمي، فإن حدوث مثل هذه الظروف وتحقيق مثل هذا النمو ليس مضموناً». وأردفت «وحتى ولو تمكّن العالم من تجنّب أزمة ضخمة جديدة، فإن السياسات المتواصلة لخفض المصروفات والديون التي تتبناها الشركات المرتبطة بالحكومة ستبقى عاملاً يثقل نمو الاقتصاد الإماراتي في المستقبل المنظور». وتوقعت الدراسة أن يرتفع إنتاج القطاع النفطي بنسبة 3 بالمئة في العام 2012 قبل أن يستقر في العام 2013، وذلك مع بقاء أسعار النفط قريبة من 100 دولار للبرميل وفي ظل سعي دول الخليج الأعضاء منظمة أوبك إلى تعويض أي انقطاع في إمدادات النفط من المناطق الأخرى. واعتبرت أن من شأن ذلك أن يُبقي إنتاج النفط الخام قريباً من الحد الأقصى للطاقة الإنتاجية والتي تبلغ 2.7 مليون برميل يومياً، رغم أنه من المقرر زيادتها لتصل إلى 3.5 مليون برميل يومياً خلال السنوات القليلة المقبلة. وتوقعت نمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بواقع نسبة 3.3 بالمئة هذا العام، متباطئاً قليلاً عن 4.9 بالمئة التي سجلها في العام 2011. التضخم بالسالب عند استثناء المواد الغذائية رجحت دراسة بنك الكويت الوطني أن يظل معدل التضخم في الإمارات من بين الأدنى في المنطقة. وأشارت إلى انخفاضه عن 1 بالمئة منذ منتصف العام 2011، فيما بلغ 0.7 بالمئة في المتوسط خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2012. وذكرت أنه في حال استثناء المواد الغذائية، سيصبح التضخم سلبياً وبنسبة 0.6 بالمئة للفترة ذاتها من العام 2012. واستدركت بالقول «لكن مؤخراً، ظهرت مؤشرات على أن وتيرة التراجع في الإيجارات السكنية قد تراجعت، في الوقت الذي استبعدت فيه انتعاش الإيجارات في ظل التوقعات باستثمار الفائض في المعروض من العقارات السكنية. وقالت «من المتوقع أن يأتي معدل التضخم عند حدود 2 بالمئة خلال العامين الجاري والمقبل، بفضل النمو الاقتصادي المعتدل والبيئة الضعيفة لنمو الائتمان وأسعار المواد الغذائية المنخفضة عالمياً. وقدرت الدراسة أن يكون الإنفاق الحكومي قد يكون ازداد بنسبة 19 بالمئة في العام 2011. وعزت توقعاتها بشكل جزئي إلى قيمة القروض المرتفعة والإنفاق في الأسهم المالية ورأس المال، والتي من المرجح أنها مرتبطة بالمعونة والدعم التي قدّمتها حكومة أبوظبي إلى الشركات المحلية. وتابعت وعلى الرغم من ذلك، فإنه مع ارتفاع أسعار النفط وازدياد معدل الإنتاج، تحسّنت الميزانية لتسجل أول فائض لها منذ 3 سنوات بنسبة 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتوقعت أن يشهد العامان الجاري والمقبل فائضاً أكبر نوعاً ما مع تراجع تكاليف الإنقاذ للشركات وسعي السلطات للترشيد في الإنفاق الجاري والإنفاق على المشاريع حيثما أمكن ذلك. وفي الوقت ذاته، يمكن أن يسهم التراجع الطفيف في أسعار النفط إلى جانب ارتفاع الواردات، في تقليص فائض الحساب الجاري من نسبة 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2013.