كل الثورات عبر التاريخ الإنساني اتسمت بحالة من الفوضى والصراع الدامي بين الثوار والطغاة من جانب ثم بين الثوار وأنفسهم ، وتسيل الدماء أنهاراً ويسقط الضحايا بأعداد كبيرة ، حدث ذلك في الثورة الفرنسية وفي العديد من الثورات التي سبقتها والتي تلتها ، لكن الثورات المصرية اتسمت دائما بروح حضارية إنسانية ، جعلت ضحايا الثورات المصرية في حدود ضيقة نظراً للطبيعة الخاصة للمصريين الذين عاشوا طوال تاريخهم يحترمون بعمق شديد عقائدهم الدينية ويعشقون التدين ويؤمنون بحرمة النفس الإنسانية وضرورة حمايتها والحفاظ عليها ، وحين اعتنقت غالبية المصريين الإسلام وجد المصريون في تعاليمه ضالتهم التي تتسق وتتناغم مع مبادئهم الحضارية والإنسانية فقد جعل الإسلام أكبر الكبائر بعد الشرك بالله قتل النفس بغير حق فقد كرم الله الإنسان في كتابه الكريم وقال سبحانه " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم " واعتبر الإسلام العنف والترويع وفرض الرأي أو الرؤية بالقوة إنما يعاقب فاعله ، بل يخرجه عن الإسلام كله في بعض الأفعال وظلت كرامة الإنسان هدفا أساسيا في الفكر الإسلامي والحفاظ على حياة ودم وكرامة وحقوق الإنسان مقصودا رئيسا في الشريعة الإسلامية ، فكل من يحل دم إنسان أو يحرض على ذلك من خلال تأويلات للنصوص الدينية تحتمل ذرة من الشك مرفوض ومؤثم ولكننا بعد ثورتنا الرائعة العظيمة التي اتسمت بسمو حضاري رائع ووحدة وطنية شامخة في مقاومتها وإسقاطها للنظام الفاسد تحولنا إلى صراع بين الثوار خرج على القيم المصرية الأصيلة والقيم الإسلامية الراسخة في عقيدة المسلم المصري ، ووجدنا رؤية تدعى الإسلام غريبة على فكر المصريين تتخذ العنف شعاراً والتكفير سلاحا وإهدار الدماء سلوكا وتخرج بفظاظة على أبسط مسلمات الدين ومبادئه فأصبح الكذب أمرا شائعا بين هؤلاء المتأسلمين وإخلاف العهد والتنكر للوعود والحنث بالأيمان وخيانة الأمانات وفجر الخصومة وانحطاط السباب وفوضى الفتاوى التي لا تستند لرؤية أو فكر أو تأمل أو حتى معرفة بمقاصد الدين العليا ، كل ذلك إلى جانب محاولة فرض رؤيتهم المنغلقة – والمتخلفة أحياناً – على الناس بالقوة والإرهاب ، فأدى هذا السلوك الغريب على المصريين إلى موجات رفض عارمة لتسلطهم فواجهوها بعنف لم يعرفه المصريون من قبل بهذه الصورة الشاملة ، ومنهجوا عمليات القتل والتعذيب وإقراع الناس وترويعهم والتحرش بالنساء بشكل مخطط وهادف لإبعاد النساء وإرهابهن ومحاولة السيطرة على مفاصل الدولة واستخدام قدراتها في تحقيق طغيانهم وإبعاد و تهميش من يعارضهم وتعمد القتل للعناصر النشطة في معارضتهم ويفعلون كل ذلك بدم بارد مبررين ذلك بأنه يفعلونه لتمكين الإسلام ، والإسلام منهم براء ، بل إن كل أفعالهم تخرجهم من نطاق الإيمان ، وتنأى بهم عن سلوك المؤمنين. ألم يقرءوا يوما قول الله تعالى " ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيماً " أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لقتل امرئ مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا " ، فإن ادعوا بغرورهم وتنطعهم وجهلهم أن معارضيهم غير مؤمنين ، ولذا يحل في رأيهم قتلهم ، لرودنا عليهم ألم يشهدوا ألا إله إلا الله فعصموا دماءهم بها ونسألهم هل شققتم عن قلوبهم لتعلموا إيمانهم من كفرهم وهل من يرى في الدين رأيا غير رأيكم يكفر وفى أى دين على الأرض اتبع أصحابه رأيا واحداً ، ألا يخشون الله يوم القيامة حين يسألهم ويحاسبهم عن تجارتهم بدينه وتكالبهم على السلطة باسمه واستخدام شريعته فيما نهي سبحانه عنه وسوف يكون حسابهم على الكذب والغدر والخيانة والحنث والعنف والترويع والتحرش والقتل عسيراً ، فنحن جميعاً. إلى ديان يوم الدين نمضي .. وعند الله تجتمع الخصوم ويومها سيعرف الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون هيام محي الدين