تفجّرت من جديد قضية التمويل الأجنبي للمنظمات المدنية والأحزاب السياسية في مصر، إذ بدأت ثلاث جهات التحقيق في حصول عدد من منظمات المجتمع المدني على اموال اجنبية، بقصد التأثير في المشهد السياسي والانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. وتشهد البلاد حرب اتهامات بين القوى السلفية المتهمة بتلقي اموال من دول عربية، والقوى الليبرالية المتهمة بتلقي اموال من جهات اميركية واوروبية، وطالت الاتهامات ايضا صحافيين واعلاميين وحقوقيين. واكد مسعد البحيري، من مجلس الوزراء المصري، ان ثلاث جهات رسمية بدأت عمليات تحقيق موسعة حول المنظمات التي تتلقى اموالا من الخارج. واوضح البحيري ل«الإمارات اليوم» ان هذه الجهات هي مجلس الوزراء، وجهاز الأمن الوطني، ونيابة امن الدولة، وان التحقيقات تستهدف معرفة المنظمات ونشاطها والأموال التي حصلت عليها، والأعمال التي كلفت بها مقابل هذه الاموال، وطرق انفاقها، مشيرا الى انه تم ابلاغ البنك المركزي المصري بضرورة حصر تلك الأموال من خلال ارقام حساباتها في البنوك المصرية، وقام البنك بالحصول على جميع البيانات في هذا الاتجاه، وقال ان هناك اموالاً اعترفت بها السفيرة الأميركية بالقاهرة، وتقدر بمبلغ 40 مليون دولار، ولكن هناك مبالغ اخرى من منظمات اهلية ومراكز بحثية اميركية واوروبية ليس لدينا حصر بها، وهي اموال اتت خلال الأشهر الثلاثة الماضية بقصد التأثير في الانتخابات المقبلة بشقيها البرلماني والرئاسي. وكانت السفارة الأميركية بالقاهرة قد سربت تقريراً بأنها تدعم 215 جمعية ومنظمة مصرية، وقال التقرير ان تلك المنظمات هي التي شاركت في ورش العمل بمينة الأقصر في اقصى صعيد مصر، في الفترة من 15 مارس إلى السابع من يونيو ،2011 بخلاف عشرات المنظمات الأخرى التي تتلقى تمويلاً اوروبياً. وقالت السفيرة الأميركية بالقاهرة، آن باترسون، ان بلادها قدمت 40 مليون دولار لعدد من منظمات المجتمع المدني، وان ما تتلقاه هذه المنظمات لا يتجاوز نسبة واحد من 10 في الألف من مخصصات الحكومة المصرية. وقال احمد بدوي، من وزارة التضامن، ان، هناك 32 الف جمعية اهلية حصلت على الترخيص بالعمل ، حتى بداية هذا العام، وان 500 منظمة ابلغتنا بحصولها على دعم اجنبي بقصد التدريب على مراقبة الانتخابات. وقال منسق مركز حماية مصر، عمر يوسف، ان هناك مئات الجهات الأجنبية الرسمية والأهلية تعمل في مصر، مثل وكالة التنمية الأميركية بالقاهرة، ومفوضية الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، رصدت اموالا طائلة لتمويل برامج التوعية السياسية ومراقبة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، وتدعيم الإعلام والنشطاء والمدونين، وأوضح يوسف ل«الإمارات اليوم» ان الاتحاد الأوروبي رصد مبلغ ثمانية ملايين يورو، لدعم منظمات المجتمع المدني بزعم التدريب على مراقبة الانتخابات المقبلة، كما رصدت هيئة المعونة الالمانية ستة ملايين دولار لدعم الإعلام وتدريب نشطاء الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي وتدريب الصحافيين والإعلاميين. وقال إن هناك 10 ملايين و400 الف جنيه مصري مقدمة من منظمة «سيدا» التابعة للحكومة السويدية لتدريب 13 الف محامٍ على مراقبة الانتخابات. وقال يوسف ان المركز يقوم بتوثيق بيانات هذه الأموال تمهيداً لتقديم بلاغ للنائب العام، باعتبار ان هذه الأموال تشكل تدخلاً سافراً من قوى خارجية للتأثير في الرأي العام المصري، مشيراً الى ان المركز سيقوم بإجراء محاكمات شعبية لتلك المنظمات. وكان الائتلاف الشعبي لكشف التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، قد وجه اتهامات محددة لعدد من المنظمات والصحافيين والمحامين، بالحصول على اموال من جهات خارجية. وقال بيان الائتلاف ان رابطة محرري حقوق الإنسان بنقابة الصحافيين، وعدد من الصحافيين تلقوا أموالاً طائلة من منظمات اميركية، للترويج للدولة المدنية والليبرالية والتأثير في مستقبل مصر. من جهته، طالب محمود بسيوني، من رابطة حقوق الإنسان بنقابة الصحافيين، بالتحقيق الفوري في بيان الائتلاف، مشدداً على ان الهدف من البيان هو تشويه عمل اللجنة التي اعلنت بشكل شرعي في نقابة الصحافيين، رفض تلقي اموال خارجية تحت اي مزاعم. وحذر الناشط الحقوق علي سيف الدين، من ضرب فكرة الديمقراطية وثورة يناير، عبر منظمات ومراكز تدعي الحفاظ على مصر، وقال ل«الإمارات اليوم» ان هناك مخططاً للسيطرة على الانتخابات المقبلة وتزويرها، بعيداً عن الرقابة الدولية والرقابة المحلية، مشيراً الى ان المجلس العسكري رفض الرقابة الدولية على الانتخاباتة، ثم شن اعضاؤه حملة على منظمات المجتمع المدني والحركات السياسية، خصوصاً «6 ابريل» و«كفاية»، بزعم حصولها على تمويل خارجي، وتابع سيف الدين «يبدو ان المجلس وأطرافاً داخل الدولة تريد ان تتم الانتخابات من دون رقابة خارجية او داخلية، وفي ظل حالة من الانفلات الأمني، وهو ما يسمح بتزويرها لمصلحة اتجاه محدد. وكانت معركة التمويل الأجنبي قد هددت العلاقات الأميركية المصرية، بعد رفض المجلس العسكري تمويل منظمات مصرية بطريق مباشر، بعيدا عن رقابة الدولة، ولجأت الإدارة الأميركية الى اقالة مدير جهاز المعونة الأميركية بالقاهرة في محاولة لامتصاص الغضب المصري، عقب تهديده مصر بالإعلان علناً عن فتح باب القبول لطلبات التمويل من المنظمات المصرية من دون اخطار الحكومة المصرية. وحذر المجلس الوطني بزعامة ممدوح حمزة، في بيانه، من خطورة ما جاء على لسان السفيرة الأميركية الجديدة آن باترسون، من ان مبلغ 40 مليون دولار صرف على عناصر وجماعات لها علاقة بالثورة في الفترة من تاريخ 25 يناير وحتى الآن، بجانب مبالغ أخرى تقدر ب165 مليون دولار رصدها الكونغرس الأميركي لدعم الديمقراطية في مصر. وطالب البيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالكشف عن أسماء وقوائم من تلقوا أموالاً من أي جهة خارجية من قبل، خصوصاً من الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وإحالة من يثبت تورطه إلى نيابة أمن الدولة والتحقيق معه، وكشف الحقائق كاملة أمام الشعب. وأعلن البيان رفض أي تمويل أجنبي لأي منظمات أو حركات أو أحزاب مصرية، واعتبار التمويل اختراقاً لمصر من الداخل، لمصلحة أهداف خارجية تتعارض مع الأمن والاستقرار الداخلي. كما طالب السلطات المصرية المسؤولة، برفض المعونة الأميركية التي اعتبرها سبباً رئيساً من أسباب الفساد والتبعية التي ساق الحكم السابق مصر إليها، وجعل منها مجرد أداة من أدوات السياسة الأميركية لإهدار الكرامة الوطنية، وانحدر بالقرار الوطني المصري والسيادة المصرية، إلى الدرك الأسفل من التبعية والخضوع للهيمنة الأميركية