لم أعتد مطالعة المصرى اليوم منذ فترة طويلة بدون أن قرأ "تخاريفه" ،ولم أعتد التجول فى "فيس بوك" يومياً قبل أن قراءة جمله القصيرة شديدة التدفق والتكثيف والتأثير والسخرية والمرارة . أعلن خبر الوفاة فاهتزت له مصر، عبّر الجميع عما بداخله من حزن شديد، وحب جارف، وتعلق بهذا الرجل بكلمات حزينة عبر موقعى التواصل الإجتماعى "فيس بوك" و "تويتر"، كل على طريقته، هناك من استشهد بجمله القصيرة ومقالاته ولقاءاته التلفزيونية السابقة، وهناك من امتدح إبداعه المتدفق متحسراً على فقدان تلك القيمة الصحفية الكبيرة،وفقدان الرجل الذى كثيراً ما خفف عنا أوجاع وسواد هذا الزمن وأحيا بداخلنا الإبتسامة غصباً، وانتزع ضحكات المهمومين وقهقهات الحزانى،كتاب الأعمدة فى الصحف المختلفة والمتعاملين مع العم جلال عن قرب كتبوا أيضا شهاداتهم عن الراحل على صفحات جرائد الأثنين، التى صدرت هذا الصباح حزينة ممتلئة بكلمات الرثاء فى الراحل العظيم وكأنها تقول "لن يكتب جلال عامر مرة أخرى أبداً .. جفّ قلمه ولكن كلماته باقية"، كما تشعر بالغربة تدب فى صفحات المصرى اليوم لغياب عمود تخاريف جلال عامر الذى احتوى اليوم على كلمة واحدة فقط ، وداعاً ..... فكتب مجدى الجلاد صباح الإثنين فى جريدة المصرى اليوم لا أحب الرثاء.. ولا أحب أيضاً شهر فبراير.. فقد اقتلع هذا الشهر عينى.. خطف مجدى مهنا يوم الثامن منه عام 2008، ثم جلال عامر أمس! سألت نفسى حين تلقيت خبر رحيل «عامر» الجميل: لماذا يخطف الموت النبلاء؟!.. يموت مجدى مهنا الصادق المناضل الذى قال للنظام الحاكم فى عينه «أنت أعور وفاسد ومستبد».. ويعيش من طبلوا وهللوا وخلعوا ملابسهم فى جوقة الحاكم؟!.. ما الحكمة من موت الزهور البريئة فى ميادين مصر.. وبقاء الجثث فى توابيت السلطة.. لماذا انفطر قلب جلال عامر وهو يحاول فض اشتباكات «مع وضد» صارخاً «المصريين بيضربوا بعض يا ناس».. بينما يسفك البعض دماء المواطنين بدم بارد؟! جلال عامر.. لم يكن مقاتلاً من أجل تراب مصر فحسب.. وإنما كان نموذجاً ل«المصرى» الذى تحتاجه مصر الآن.. مات لأننا نقرأه بمتعة، دون أن نعتنق شرف كلمته.. وتلك هى أزمة مصر الحقيقية.! والمحلل السياسى حسن نافعة .. المصرى اليوم لم ألتق بجلال عامر وجهاً لوجه سوى مرة واحدة، غير أننى كنت أستمتع بلقائه يوميا عبر مطالعة عموده المتميز فى «المصرى اليوم»، والذى اختار له عنوان: «تخاريف». وكلما كنت أتوغل بين ما يسطره هذا الكاتب المبدع تولد لدىَّ إحساس بأننى أعرف هذا الرجل منذ زمن بعيد، فجرعة المتعة والثقافة التى كنت أحصل عليها من مطالعة إبداعاته اليومية لم تكن تضاهيها متعة. لم يكن جلال عامر مجرد كاتب موهوب، أو صاحب مدرسة متميزة فى الكتابة، لكنه كان مثقفا كبيرا ووطنيا عظيما. وكما كان قادرا على انتزاع الضحكات والقهقهات من أعماقنا الحزينة، كان قادرا فى الوقت نفسه على أن يبكينا على أحوال الوطن رغم السخرية الهائلة التى تنضح بها حروف كلماته أكرم القصاص .. اليوم السابع جلال عامر ينتمى إلى مدرسة السخرية التى تختصر آلاف الأميال والتفاصيل فى جملة. لا تغريه مجرد الرغبة فى إطلاق الإفيهات. يشبه المصريين، يسخر من تصرفاتهم، دون أن يسخر منهم، عاش ومات محاربا لا يهتم كثيرا بالحسابات، فى البنك أو مع الآخرين. لكنه ترك رصيدا من العظمة والحكمة كثيرون لم يتعرفوا على جلال عامر إلا فى الأعوام الأخيرة، وهو أمر كان يصيبه بالضيق، لأنه ظل أكثر من ربع قرن يكتب بنفس الإبداع. وكان هذا شعوره عندما التقينا لأول مرة منتصف التسعينيات، كان يكتب فى «الأهالى»، وساهم فى تأسيس ودعم جريدة «التجمع» فى الإسكندرية وكتب فيها أكثر مقالاته تألقا، وفى جريدة «العربى »عندما كان يشاركنى أحيانا صفحة الجورنالجية وهو صاحب مقولات كثيرة قبل وبعد ثورة يناير، تحولت أقواله إلى عبارات خالدة وحكمة شعبية فهو الذى قال: «ياريت مبارك كان ضربنا إحنا الضربة الجوية وحكم إسرائيل 30 سنة». وبدأ وائل قنديل مقاله فى الشروق الذى حمل عنوان "يعيش حسنى مبارك .. يموت جلال عامر" .. ب بلغت المهزلة حدا لم تستطع روح الرائع الجميل جلال عامر الساخرة تحمله، فصعدت إلى بارئها، لقد كان جلال عامر يواجه القبح بالسخرية العميقة، ويستعين على صنوف القمع والبلادة والفشل بكتابة مغرقة فى بساطتها، لكنها موغلة فى الكشف وتعرية مناطق الفساد والسواد فى حياتنا أيمن نور .. اليوم السابع طوبى لمن يموتون وهم يعبدون الله فى الدفاع عن حقوق الناس والأوطان، طوبى لمن يموتون وهم يرفعون مشاعل الحرية، فالنفس تنطفئ ولكن مشاعل الحرية تظل حتى فى أحلك الظروف والظلمات تبث بصيص الضوء والأمل والبهجة فى القلوب. توقف نبض قلب جلال عامر لكن نبض الحق فى كلماته سيظل يخفق فينا، فالحق قوة من قوى الله كنت دائما أسأل نفسى أين كانت هذه الموهبة الفذة ولماذا لم يبرز اسم جلال عامر إلا فى السنوات الأخيرة خلافاً لما كان يستحقه!! فيبدو أن هذا هو قدر الموهوبين ولحسن حظ أنصاف الموهوبين. اليوم أشعر أن قطعة من قلب مصر، وموهبة من أبرز مواهبها رحلت عنا.. رحم الله جلال عامر!! محمد فتحى .. التحرير جلال عامر كان مدرسة متفردة فى الكتابة الساخرة، ناضل لكى يقرأه الناس ويعرفوه فى وقت اختار آخرون العزلة أو التعالى. فى آخر مكالمة قبل عشرة أيام قال لى عم جلال: بنحبوك يا محمد والله وبنحب نقرالك ولازم نتقابل. كان من السهل أن تقابله فى بحرى، وأن تشرب معه الشاى بمنتهى البساطة، لكنى لم أسافر إليه، وإنما سافر هو. ربنا يرحمك ويغفر لك يا عم جلال ويجعل مثواك الجنة ويضحّكك فرحا بما آتاك كما أضحكتنا فى الدنيا، وضحكت علينا ومتّ. كده برضه يا عم جلال؟ ... رحم الله جلال عامر