عجبت للثورة الهائلة التي صاحبت ما أتي به الدكتور سعد الدين هلالي في حلقة الإعلامي عمرو أديب عن الحجاب، والتقول علي الرجل بأنه ينكر فرض الحجاب علي المرأة. لم أكن شاهدت الحلقة لكن صخب الضجة التي صاحبتها دفعني لمشاهدتها لاسيما وأنا أعلم جيدا عن الدكتور هلالي أنه لا يتصدي أبداً لإبداء رأي فقهي قطعي في أحد الأمور الدينية وأنه يقود مدرسة تتبني تعريف المسلم بكل الآراء الفقهية المطروحة المشهور منها والمجهول، ويحث الإنسان علي التفكير والتدبر وحرية الاختيار والمفاضلة بين الآراء جميعاً وتحمل مسئولية هذا الاختيار. أعرف ان للرجل رسالته التنويرية النبيلة، وهي التصدي لما أسماه مسيرة التجهيل السائدة في المجتمع، والتي تتمثل في إخفاء بعض الآراء الفقهية المهمة والتعتيم عليها والانحياز لآراء بعينها تبدو متشددة ومضيقة علي حياة المسلم برغم بساطة وسماحة ديننا الحنيف. فقد شرفت بإجراء حوار مع الدكتور هلالي نشر في »الأخبار» قبل أكثر من أربع سنوات وتعودت علي الاستماع إلي آراء فقهية صادمة لم نكن نعرفها تعصف بكل موروثنا المعلوماتي في الفقه، وتكشف عن مدي محدودية مخزوننا الذي درجنا عليه في هذا المجال، وعن تكاسلنا في إعمال العقل وتنحينا عن حمل مسئولية التعلم والدرس واتخاذ القرار، تعودنا منه - لفرط جمودنا واستسهالنا لاستهلاك الآراء المعلبة جاهزة الصنع - أن يلقي بكلامه حجراً كبيرا في مياهنا الفكرية الراكدة. ولهذا تأتينا الصدمة ونثور ونغضب لأننا نرفض التفكير. بعد مشاهدة الحلقة اكتشفت أن الرجل لم ينكر فرض الحجاب لكنه بيّن للكافة كل الآراء التي جاءت علي ألسنة الفقهاء لتفسير الحديث النبوي الوحيد المستند إليه في تحديد شكل حجاب المرأة ونسبة تغطيته لجسدها. وأوضح أن الناقل »أبو داوود» شكك بآخر نص الحديث في المروي عنه لأنه لم يدرك السيدة عائشة أي أنه لم يعش في زمنها، بما يؤكد حرص الناقل علي تضعيف الحديث لكنه فقط يسجله للأمانة العلمية. وأنه تناول الآيتين القرآنيتين الكريمتين اللتين تتحدثان عن لباس المرأة بالشرح والتفسير ودعا للتفكير والتدبر في نصيهما للوقوف علي حقيقة الأمر الإلهي دون تدخل بشري. من ثم دعا الرجل لعدم انتقاد أو تكفير من يأخذ بأحد الآراء المطروحة ويستحسنها. الأمانة العلمية هي نفسها التي يحرص الدكتور سعد هلالي علي اتباعها عند طرح كافة الآراء الفقهية وهو أستاذ في الفقه المقارن بالأزهر الشريف ولاحظ التخصص في فرع الفقه المقارن وليس في الفقه مطلقاً - ومعروف في الدراسات المقارنة في كافة العلوم الإنسانية أنها تقتضي معرفة الإلمام بشتي جوانب العلم وقواعده للمقارنة فيما بينها. من هنا نكتشف صدق مقولة »في اختلافهم رحمة» وبها يؤكد الدكتور هلالي أن »الدين يُسر» وأنه يجوز للمسلم أن يتبع ما يراه ملائماً له من الآراء الفقهية المتعددة مادامت جاءت علي لسان بشر ولم ينزل بها أمر إلهي قاطع مانع، أو حديث نبوي متفق عليه. ما العيب في ذلك؟ الضجة التي صاحبت كلام الدكتور هلالي تؤكد أننا أمة تكره التفكر والتدبر، وتمشي كالقطيع خلف ما يروج من أفكار ودعاوي. وعلي من يعارض أو يختلف مع كلام »هلالي» من ذوي الحجة والعلم فليأتنا بحجته وأسانيده ولا يعتمد أسلوب الإثارة والغوغاء دون سند من علم فيوقعنا أسري للجمود والتشدد والاستخفاف بالعلم. من يخالف د. هلالي من الأزاهرة ولديه من الأسانيد الفقهية مما قد يكون »هلالي» قد أخفاه فليكشفه ويدحض به ما قيل وله علينا الاحترام والاتباع. قد يكون لدي البعض مآخذ علي الآراء الشخصية والسياسية للدكتور سعد هلالي وهذه لها مقامها الذي يجب إعلانها فيه لكن دون أن ينسحب ذلك علي منهجه العلمي ودون تطويع أو ليّ للحقائق الفقهية التي يكشفها.