رغم تأكيد د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، أن قرار إلغاء الأسر الطلابية الذي اتخذته الجامعة يتعلق بالأسر التي تمارس النشاط الطلابي بناء علي قاعدة حزبية أو الانتماء إلي جماعة دينية، إلا أن قرار رئيس الجامعة أثار غضب العديد من الطلاب وبدأ الحديث عن إمكانية منع الأنشطة الطلابية الأخري أيضاً، خاصة بعد الإعلان عن أنه سيتم فرض رقابة صارمة علي الأسر الطلابية لمنع استخدامها تحت مسميات أخري لتحقيق أهداف وأغراض سياسية ودينية وحزبية ضيقة.. وخدمة جماعة ولن يسمح بتكوين أسر باسم أي حزب أو تحت مسميات دينية. ومع الحديث عن احتمالية إلغاء الأنشطة الطلابية بعضها كان هناك ضرورة للتعرف علي أهمية الأنشطة الطلابية، والآثار المترتبة علي منعها ومن خلال السطور القادمة يوضح د. أحمد سالم أستاذ أصول التربية وعضو هيئة التدريس بجامعة قناة السويس أهمية الأنشطة الطلابية وما يترتب علي منعها. في البداية يؤكد د. سالم أن منع بعض الأسر من ممارسة نشاطها الطلابي لا يحل مشاكل بل يزيد التطرف غلواً والفكر تقبلاً للأفكار الهدامة والمغرضة والموجهة.. ويقول: والحقيقة إنه في مسألة مشاركة الشباب في العمل السياسي بالجامعة رأيان متضادان: الأول يقول بوجوب ابتعاد الشباب عن العمل السياسي بالجامعة لأنها مكان علم ومصدر معرفة، فلا يجوز الحياد عن المسار الطبيعي للهدف الرئيسي للجامعة، والثاني يؤكد علي أهمية المشاركة الفاعلة للشباب في جميع الأنشطة الجامعية العلمية منها والاجتماعية ومن أهمها المشاركة السياسية لما للشباب من مكانة مهمة في صناعة فكر الأمم وقيادة ركب حضارتها. ضرورة مُلحة ويقول د. سالم: بحكم عملي في مجال التربية والتنشئة الاجتماعية أري ضرورة ملحة في إشراك الشباب في جميع مناشط الحياة الجامعية، وجعل الجامعة مجتمعاً صغيراً يعكس صورة المجتمع الكبير، فالشباب عماد الأمة وقوامها الدافع، إلا أن كل النظم التعليمية في العالم الثالث (ومنها مصر) تمارس وبنجاح مذهل عملية إعادة إنتاج السلبية المفرطة لدي المواطنين واتجاهات الاعتماد علي الغير و(الأنامالية) في تعديل أوضاع المجتمع، مما تكون نتيجته في نهاية المطاف عرقلة بل وطمس إمكانات تحقيق المشاركة السياسية بين الطلاب وهيمنة حالة السكون السياسي علي الفكر الجمعي لديهم، كما تحد التنشئة الاجتماعية للطلاب منذ صغرهم من عملية الإبداع والخلق السياسي بما تمارسه من قمع للنزعات السياسية (الطبيعية) لدي الطلاب. ويضيف د. سالم ويقول: يكمل هذا الدور تأثير الإعلام في عقول الناشئة وما ينتج عنه من تسييس العقول علي فكر أحادي الجانب لا يرعي المصالح العامة بل يكرس الحشد نحو فكرة بعينها قد تكون في بعض الأحيان مفسدة جمة للمجتمع بأسره، لذا وجب الإصلاح الفعلي للحوارات الشبابية مع قيادات المجتمع ومفكريه، وتطوير التعامل مع الأفكار الشبابية في المناحي السياسية، والأخذ بالفكر الشبابي (الطازج) في عمليات الإصلاح السياسي، والاهتمام بالتنوع الفكري ليتمكن الشباب من صناعة أفكاره بنفسه، فإن صلاح الأمة من صلاح شبابها. الجو المناسب ثم يوضح د. سالم أن »التربية» عرّفها بعض التربويين بأنها إعداد للحياة، وكانوا يقصدون أن الحياة التعليمية في المدارس أو الجامعات هي حياة أخري يتعلم الطالب فيها كيف يواجه حياته الطبيعية الخارجية، حيث لم تعد المؤسسة التعليمية مجرد مكان يتجمع فيه الطلاب والأساتذة، بل هي مجتمع صغير يتفاعلون فيه يتأثرون ويؤثرون، حيث يتم اتصال بعضهم بالبعض الآخر، ويشعرون بانتماء بعضهم إلي بعض، ويهتمون بأهداف مشتركة لمجتمعهم الصغير ووطنهم الكبير، وكل ذلك يؤدي إلي خلق الجو المناسب لنموهم. ومن هنا فالمؤسسة التعليمية ليست مجتمعاً مغلقاً يتفاعل داخله الطلاب بمعزل عن المجتمع الذي أنشأت فيه، بل هي تعمل علي تقوية ارتباط الطلاب بمجتمعهم وبيئتهم والشعور بالمسئولية تجاه هذا المجتمع وتلك البيئة، من أجل إعدادهم وتزويدهم بالمهارات النافعة، الوثيقة الصلة بواقع الحياة في المجتمع. لماذا الأنشطة؟ ويقول د. سالم: ولما كانت المناهج الدراسية وحدها لا يمكن أن تشتمل علي كل الخبرات والمواقف التي يحتاجها الطلاب عندما يتخرجون إلي الحياة العامة، وكان وقت الدراسة داخل قاعات الدراسة لا يتسع لتدريبهم علي المواد التي يتعلمونها تطبيقاً عملياً، كان لابد من وجود وسيلة أخري تكمل النواحي التي لا يمكن تحقيقها داخل المحاضرات، لذا كانت الأنشطة الطلابية، ويقول التربويون إن النشاط هو ألوان متعددة من الفعاليات التي يمارسها الطلاب داخل المؤسسة التعليمية أو خارجها علي أن تكون ممارسة تلقائية غير متكلفة، تلبي حاجات الطلاب ورغباتهم، فالنشاط الطلابي هو ذلك النشاط أو البرنامج الذي تنظمه المؤسسة التعليمية متكاملاً مع البرنامج التعليمي والذي يقبل عليه ويمارسه الطلاب وفق قدراتهم وميولهم ورغباتهم وإمكانياتهم وبما يشبع حاجاتهم بحيث يحقق هدف تربوي واضح داخل قاعات الدراسة وخارجها، في اليوم الدراسي أو خارجه. وظائف تربوية ويضيف د. سالم ويقول: لذلك فالأنشطة الطلابية ضرورة تتطلبها الظروف التعليمية للقيام بوظائف تربوية عديدة، وهذا ما يعلل سر تغيير الفكرة القديمة الخاطئة التي كانت تذهب إلي أن الأنشطة الطلابية نوع من اللهو لقضاء أوقات فراغ الطلاب، وبالتالي لم تكن تهتم بها المؤسسات التعليمية الاهتمام الذي يجدر بها، وتبدو أهمية الأنشطة الطلابية من خلال قدرتها علي استثمار أوقات الفراغ لدي الطلاب لما فيه منفعتهم الذاتية كأفراد، ومنفعة البيئة التعليمية، والمجتمع ككل، وهي لذلك تساعد علي تحقيق الأهداف التربوية وتنمية المهارات والعلاقات الاجتماعية وقدرات الطلبة الذاتية، وتحفيزها بشكل سليم. ولتحقيق الشخصية المتكاملة للطالب عقلياً وجسدياً وروحياً واجتماعياً، تتعدد الأنشطة الطلابية في المؤسسات التعليمية لتشمل الأنشطة الدينية، والرياضية، والثقافية، والفنية، والاجتماعية، والعلمية، والمهنية، والكشفية، وتتنوع أنشطة المؤسسات التعليمية لتتفق مع رغبات وقدرات واهتمامات الطلاب بحسب الإمكانات المتاحة. بناء الشخصية ويشدد د. سالم علي أن الصرح الجامعي من الصروح التربوية التي تقوم بدور مهم في تربية النشء وإكسابهم عادات وسلوكيات صحيحة.. ويقول: لذا اهتمت الجامعات والكليات بوضع البرامج والأنشطة للطلاب، للاستفادة من شغل وقت الشباب بما يفيدهم وكذلك بقصد زرع وتنمية جوانب وأمور مهمة في شخصية الطالب، فالعملية التعليمية- كما ذكرنا- ليست مجرد تلقين للدرس فقط وإنما هي عملية مفيدة لبناء شخصية الطالب من جميع النواحي وبث روح المسئولية الاجتماعية والاعتداد بالذات وتحمل المسئولية، فالطالب داخل الجامعة يستفيد من الأنشطة والبرامج المتاحة له ويتفاعل مع غيره من الناس من خلال هذه الأنشطة المتاحة، وبذلك يتبادل أنواع السلوك الإنساني مع غيره فيفيد ويستفيد من غيره ويتعلم أنواعاً من السلوك ويكتسب خبرات إيجابية من غيره من خلال ذلك التفاعل، ويحاول أن ينمي لنفسه الإحساس بالمسئولية والاعتماد علي الذات من خلال هذه الأنشطة، هو يقوم بذلك من خلال المشاركة مع الآخرين من زملائه، ومن هنا ندرك أهمية الأنشطة الطلابية ونعرف أنها ضرورة ملحة في تكوين طالب علم مكتمل الشخصية، فهي تساعد في الكشف عن المواهب والإمكانات والميول لدي الطلاب والتي يجب أن توجهه الاتجاه السليم، من خلال الربط بين التعليم والتعلم ومزاولة الأنشطة بصورة مقننة تراعي أصول التربية الصحيحة وقواعد علم النفس التربوي. لا تمنعوه ولعل منع هذه الأنشطة في الجامعات أو أحدها يقوض الدور الرئيسي للجامعة من أنها مكان للحياة وليست مكان تلقين دراسي وفقط، حياة أخري يجب أن يزاولها الطالب بصورة صحيحة بدلاً من الاتجاه إلي ما لا تحمد عقباه، منع مزاولة الأنشطة في الجامعات لا يحل مشاكل سياسية ولا دينية ولا فكرية، بل يزيد التطرف غلواً، والفكر تقبلاً للأفكار الهدامة والمغرضة والموجهة، لا تمنعوا نشاط الطلاب، فالمنع فيه الكثير من المخاطر..!!