زمن ليس بالبعيد.. كان موسم العيد.. موسما دسما يترقبه المنتجون طويلا.. ويحسبون له حسابات المليئة بالأمل.. إلي أن جاء الغزو التليفزيوني.. نضير الكثير من المفاهيم.. وجعل شهية المتفرجين تتزايد بشكل ملحوظ.. نحو الشاشة الصغيرة.. وما تقدمه من مباهج ومسرات. بل بدأت الوليمة التليفزيونية تزداد دسما عاماً بعد آخر.. حتي وصلت بنا أخيرا إلي درجة اللا تحمل.. (وهذا أمر ستعود إليه فيما بعد) وطفت عل كل ما سواها.. وانعكس ذلك بضراوة علي موسم العيد السينمائي.. الذي بدا بالمقارنة مع ما يقدمه التليفزيون.. ضئيلا وضحلا بل أن هذا الموسم التليفزيوني أصاب المتفرج البائس بالتخمة.. وجعله غير قادر علي استيعاب أكثر مما استوعبه في هذا الشهر الفضيل.. مما انعكس سلبا علي موسم العيد السينمائي وأفلامه المختارة.. التي كان من الصعب عليها أن تقف لتنافس ما قدمه التليفزيون لهذا الجمهور طوال شهر بحاله.. عرضت فيه أنواع الدراما كلها.. ومن خلال أبطال ونجوم كبار.. اعتدنا أن نطلق عليهم نجوم السينما المتألقين.. قبل أن يجرفهم تيار التليفزيون الهادر بأمواجه الثقيلة.. وينسينا إلي حد ما ماضيهم السينمائي الذي عاشوا علي متنه زمناً. ولم يكن أمام منتجي السينما تجاه هذا الأمر الواقع إلا حلين.. كلاهما صعب.. الأول تقديم أفلام كبيرة حقا.. قادرون علي اعادة جمهور السينما للقاعات المظلمة.. سواء بموضوعها أو نجومها أو ألقها الانتاجى.. وهذا ما بدا لهؤلاء المنتجين أمرا صعبا ومغامرة غير محسوبة النتائج. واما الاكتفاء بتقديم أفلام تائهة مما اعتدنا أن نطلق عليه اسم «سقط المتاع» تعتمد علي الكوميديا الفطنة وعلي الانتاج الرخيص الشبيه بالطعام السريع الجاهز.. وهذا الخيار الأخير هو الذي اختاره منتجو السينما لمواجهة موسم العيد.. ناسين أو تناسين ماضي هذا الموسم وما كان يقدم فيه من أفلام ونجوم. وازداد الموقف تأزما عاما بعد عام.. حتي وصل بنا هذا العام إلي درجة يكاد المرء لا يصدق نفسه فيها.. وهو يستعرض الأفلام التي قرر المنتجون الكبار أو الصغار طرحها علينا هذا العام. هناك أولا.. قلبي دليلى.. وهو من انتاج السبكى.. ويكفي عنوانه دلالة عليه.. فهو يهزأ من فيلم مصري آخر.. حقق نجاحا غير مسبوق في الأربعينيات.. وكان من بطولة ليلي مراد وأنور وجدى.. ولا أحد أي سبب مبرر للهزء بهذا الفيلم عن طريق تشويه عنوانه وربما أيضا الهزء من محتواه. وهناك فيلم هاني رمزي الأخير توم وجيري وهو اشارة أيضا إلي ثنائى رسوم متحركة.. اضحك الملايين خلال سنوات طويلة.. ويتابع فيه هاني رمزي محاولاته المستميتة للاحتفاظ بمكانته الكوميدية التي اهتزت اهتزازا عنيفا في السنوات الأخيرة. وهناك أيضا قلب الأسد.. وهو اشارت خفية إلي شخصية تاريخية أثرت كثيرا في نفوس الجمهور بعد عرض فيلم يوسف شاهين (صلاح الدين). الفيلم يعتمد علي الشعبية المفاجئة لنجم شاب هو محمد رمضان الذي حقق العام السابق نجاحا لم يتوقعه أحد في فيلم »عبده موتة« رفعه مرة واحدة الي مصاف النجوم القادرين علي جلب الجمهور وتكديس الأرباح. الفيلم يركب الموجة التجارية الشعبية التي صاحبت اسم بطله الأول.. دون التأكيد علي بقية العناصر الفنية المكملة. ربما كان فيلم نظرية عمتى.. هو خير الأفلام التي سيقدمها لنا موسم العيد نظرا لطرافة موضوعه ولوجود نجمتين متألقتين في بطولته.. الكبيرة لبلبة والتي عرف عنها أنها شديدة التدقيق في الأفلام التي تعرض عليها. والنجمة الشابة الصاعدة صعود الصاروخ حورية فرغلى.. أما أكرم فريد فيمكننا أن ننتظر فن الجيد كما نتوقع فن الروىء.. وكلنا أمل أن يكون نظرية عمتي من النوع الأول كي ينقذ موسماً سينمائياً تحرق في التفاهة حتي أذنيه.. وأصبح عاجزا عن طلب الاستغاثة.. بين الآخرين لأنه أصلا عجز عن انقاذ نفسه.