لاتزال الهجرة موضوع حديث ممتد فهى التى نقلت أهل مكة من الباطل إلى الحق ومن الضياع إلى الطريق المستقيم وهو طريق الحق، لقد كان أهل مكة ضالعين فى الضلال يوقعون الأذى بمن هداهم الله إلى الدين الحق فكانت الهجرة سبيلا إلى النجاة بالعقيدة حتى لا يفتن الظالمون من أهل مكة المهتدين بهداية الإسلام فكانت الهجرة هى السبيل الوحيد إلى النجاة، وقد كانت هذه الهجرة أول انتقال بالعقيدة من موطن الفتنة إلى موطن الاطمئنان والانتشار، ولقد كانت بيعة العقبة الثانية من الأسباب القوية التى نجحت بها الهجرة.. لقد كانت هذه البيعة هى الأرضية المطمئنة لانتقال الدعوة إليها ونشرها فى العالمين، ومن الجدير بأهل العلم والبحث أن يدرسوا هذه البيعة دراسة مستفيضة، فقد كانت بين طرفين أحدهما قوى والآخر ضعيف لكن الإيمان كان يقوى الجانب الضعيف حتى أنه أخذ يملى شروطه على الجانب القوي، والجانب القوى يقبل بترحاب واستعداد للتضحية حتى أن الجانب القوى أقسم للجانب الضعيف أنه لو خاض به البحر لقبل الخوض ومارسه بصورة كاملة تشمل الأفراد جميعا لا يتخلف منهم رجل واحد وهذا هو أقصى درجات القبول بالتضحية، وهكذا تكون المبادئ العظيمة فى حاجة إلى مؤمنين بها يضحون فى سبيلها بأنفسهم وبكل ما يملكون من بأس وقوة. هكذا كانت الهجرة من مكة إلى المدينة، وكانت أول هجرة بالمبادئ وليست بالعتاد والسلاح. وفى هذا الانتقال قويت شوكة المسلمين لأن المهاجرين والأنصار أصبحوا كتلة قوية لها من العزة والمنعة ما يجعلها قادرة على نشر المبادئ الصحيحة التى تسرى عقول البشرية وقلوبها بالإيمان القوى الذى تزلزل أمامه أعتى القوى الظالمة التى تريد من الإنسان أن يبقى فى ظلام الجهل بعيدا عن النور الذى يهتدى به إلى النجاة والفوز. لقد كانت الهجرة النبوية شأنا قويا من شئون المسلمين مع أنها كانت هجرة بالمبادئ فقط وليست هجرة بالسلاح والعتاد استعدادا لهجوم عام، ولكن الهجرة بالمبادئ صنعت القوة الإسلامية التى اهتدى بها الكثير إلى طريق الحق والنور، وقد صدق الذين وصفوا الهجرة بأنها انتقال من الظلام إلى النور ومن الضلال إلى اليقين، والله يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
