ستظل الهجرة رصيداً للكتاب والمفكرين ينهلون منها معارف جديدة تؤكد أن الإسلام هو دين الله لا محالة، وأن غيره من الأديان السابقة عليه كانت مراحل تاريخية فى دين الله لتتلاءم هذه المراحل مع عقل البشرية فى تطوره ونمائه، وبذلك كان الإسلام هو الدين الخاتم الذى اعترف بهذه المراحل التاريخية فى هذا الدين، فالإسلام يعترف باليهودية، وهو يعترف بالنصرانية، ولذلك نجد أن الإسلام يحتوى مفاهيم الوحدانية فى اليهودية والنصرانية معاً، ومن هنا كان هو الدين الخاتم الذى يطالب البشرية كلها بالإيمان به انطلاقا من قول الله تعالي: «إن الدين عند الله الإسلام» وقوله تعالي: «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين». إن الهجرة من مكة إلى المدينة التى بدأت بأمر من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى أصحابه لم تكن هجرة الضعفاء، وإنما كانت هجرة الأقوياء بدينهم، وجاءت هجرتهم تلبية لدعوة أهل يثرب لهم بالانتقال إلى المأمن الذى يمارسون فيه تعاليم دينهم وينطلقون به من هذا المكان الجديد إلى رحاب الدنيا كلها، ولذلك نرى الإسلام قد جاب أنحاء الأرض كلها، حتى الدول التى لا تدين غالبيتها بأى دين نرى فيها مسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويمارسون شعائرهم فى علانية مهما يكن رد الفعل الآثم مضرا بهم، ويجذبون نحوهم من يعتنق الإسلام دينا، ومن يعترفون بأن الله لا شريك له وأنه خالق الكون ومدبر أموره وهو الهادى إلى الصراط المستقيم. انطلق المسلمون بعد الهجرة إلى رحاب الأرض الواسعة يدعون إلى دين الله فى كل مكان بالحكمة والموعظة الحسنة ولم يحملوا سلاحا إلا للدفاع عن أنفسهم ضد من يعتدون عليهم وضد من يحاولون منعهم من نشر دين الله والتعريف به لمن لا يعرفونه ومن هنا كانت رسالة كل مسلم أن يدعو إلى دين الله الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يحمل السلاح دفاعا عن نفسه ضد من يحاولون الاعتداء عليه أو يمنعونه من نشر رسالته، والإسلام لم يدع إلى حمل السلاح فى نشره فالله تعالى يقول فى كتابه العزيز: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» وقد اتبع المسلمون هذا الأمر الإلهي، ولذلك نجد رسوخ الإسلام فى الدول التى فتحت سلما ولم يحمل المسلمون إليها سلاحا يقاتلون به وهم يدخلونها. الهجرة النبوية لم تكن هجرة ضعفا، وإنما كانت هجرة أقوياء أصحاب يقين بالله وبرسالته الداعية إليه والمقرة بالرسالات السابقة عليه التى مهدت الطريق للبشرية للتعرف إلى الإسلام وتتيح لهم الفرصة العقلية لاعتناقه وعبادة الله طبقا لتعاليمه التى أنزلها على النبى الخاتم محمد – صلى الله عليه وسلم – ومن هنا يخطئ الناس الذين يصفون الهجرة بأنها ضعف أمام الدفاع عن أنفسهم أمام جبروت الكافرين من أهل مكة وذلك بدليل أن المسلمين انطلقوا بعد الهجرة إلى رحاب الله الواسعة فى أرضه التى لا حدود لها ينشرون دين الله وينادون فى الناس بالتوحيد والرسالة الخاتمة التى كانت الهجرة من مكة إلى المدينة بداية انطلاق جديد بالإسلام فى شتى أنحاء الأرض.