تظل الموارد جزءا أصيلا من رخاء الدول أو أزماتها، وهو ما تحدده مصفوفة مهارات المنظومة القائمة على إدارتها، لتتعاظم هذه الثروة، بفضل الاستغلال الأمثل لها، من النخبة الحاكمة، كذلك تتضاءل بفعل التعامل معها بأساليب لا ترتقى لأهميتها، وهو ما تقيمه النتائج. لا شك أن الاستعمار والاستحواذ على مقدرات الغير لايزال متجذرا لدى العديد من الدول التى تمتلك القدرة على ذلك، لكنه بوسائط وأنماط مختلفة عن السابق بعد أن أصبحت التكنولوجيا فاعلا رئيسيا فى تحقيق الغايات، ليتعاظم دورها بمرور الوقت بعدما أصبحت هى القوة العظمى الحاكمة للعالم. تتنافس الشركات العملاقة العاملة فى التقنيات الحديثة للاستحواذ على الحصة الحاكمة لهذا القطاع، مستهدفة بذلك تعاظم الأرباح التى تزداد باحتكار الخدمة أو تطويرها.. وبالتوازى تسير الجيوش على نفس النهج لتطور أسلحتها، والتى أصبح من بينها قوة الفضاء الرقمى المتمثل فى الأمن السيبرانى والأسلحة ذاتية التشغيل مع استحداث برامج لديها قدرة القضاء على أى شحص يمثل تهديدا لها. حروب سيبرانية كثيرة شهدها وسوف يعيشها العالم فى مجالات مختلفة، حيث تمكن هذه التقنيات من تزييف إرادة الشعوب فى الانتخابات وهو ما شهدته الولاياتالمتحدةالأمريكية فى الانتخابات الرئاسية عام 2016 والتى أفضت بفوز دونالد ترامب على منافسته آن ذاك هيلارى كلينتون، ليصبح هذا الأمر نقطة فارقة فى مسارات التدخل فى شؤون الدول كونه الأول من نوعه بالنسبة لدولة عظمى بحجم أمريكا. ولا يختلف الأمر كثيرا فيما يخص منصات التواصل الاجتماعى ووسائل التراسل الفورى، فكل منهما بمثابة ركيزة حديثة لمفهوم القوة المرنة، فمن منطلق توظيفهما وفق استراتيجية فعّالة يصبح التحكم فى توجهات الشعوب أمرا لا يعوقه شىء، وهو ما استوعبته وتصدت له بعض البلدان مبكرا مثل الصين وروسيا، لينشئ كل منهما أدوات تواصل وتراسل خاصة بهما حفاظا على أمنهما القومى وحماية الشعب من العبث فى ثوابته وأفكاره. وفى ظل عالم يسير بوتيرة سريعة نحو اقتصاد أكثر تنوعا تصبح الثروة البشرية النوعية وليس الكمية أعظم ما تمتلك الدول، وهو ما تؤكده تجربة اليابان وتايوان فى التحول نحو الثراء الاقتصادى رغم فقرهما فى الموارد، ليتمكن كلاهما من تحقيق الفارق بفعل تعزيز رأس المال البشرى وتنامى عوائده. تستطيع الدول النجاح إذا أرادت، كذلك امتلاك القوة التى باتت ذكية بعدما تراجع دور القوة الصلبة، ليتحقق ذلك من خلال توفير بيئة معرفية متكاملة تساهم فى إخراج أجيال مبدعة تمتلك قدرة مواجهة التغيرات المتسارعة مع مواكبة التطور التقنى والمساهمة فى تحديثه، مما يضمن لها القضاء على التحديات وتنمية اقتصادها المتنوع والانتقال نحو مسارات تنموية أفضل. كذلك يضمن الاستثمار فى الثروة البشرية، من خلال التعليم الجيد، حماية الدول من التبعية التكنولوجية والخروج من دائرة الصراع الرقمى القائم بين كل من واشنطن وبكين، ومساعى كل منهما لفرض تقنياته على التعاملات والتفاعلات التجارية والاجتماعية، حيث يهيمن كل منهما على حصة حاكمة فى هذا المجال. تمتلك مصر ثروة بشرية هائلة، وبما أن العنصر البشرى يعد الرقم الأهم فى معادلة تطوير التكنولوجيا وابتكار المزيد، وذلك من خلال إعداد وتأهيل الإنسان بالعلوم التى يتطلبها التفوق فى هذا القطاع مثل الرياضيات وعلوم الحاسب والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا، وهو ما يضمن أن يكون لديه ميزة تنافسية حقيقية مع امتلاك معسكر رقمى خاص به والتحرر من التبعية التكنولوجية التى تفرضها واشنطن على أغلب عواصم العالم.. وللحديث بقية.