تحتل أخطاء الأطباء. مساحات واسعة من صفحات الحوادث في أغلب الصحف المصرية. بعد أن كانت إنجازاتهم توضع في الصفحات الأولي. والحوارات التي تجري معهم حول الرعاية التي يقدمونها لمرضاهم.. تشغل الصفحات الأخري. ولم تقصر البرامج التليفزيونية والإذاعية في المشاركة في تلك الحملة علي الأطباء فخصصت حلقات لشكاوي المواطنين يعربون خلالها عن معاناتهم في التعامل مع الأطباء. ويتسابقون في رواية الحكايات عن تدهور الحالات الصحية لمرضاهم عقب لجوئهم للمستشفيات سواء الخاصة أو الحكومية. وفي الغالب الأعم يحمل أهالي المريض المسئولية عن وفاته بالرغم من اقرارهم ان حالته خطيرة.. والأمل في الشفاء كان محدوداً. وما جري في معهد القلب منذ أيام من تدمير لمعدات تقدر بملايين الجنيهات وعقب وفاة أحد المرضي مازال يتكرر في معظم المحافظات ولولا العناية الإلهية لما تم انقاذ الأطباء. وما أكثر القضايا التي تنظرها المحاكم وتتضمن اتهامات للأطباء بدءا من الاهمال وليس انتهاء بالإتجار في الأعضاء البشرية. وسواء أكانت تلك الاتهامات صحيحة.. أو ظالمة. فإنها تعكس أزمة الثقة بين المواطنين.. والأطباء. بما يمثل خطورة بالغة علي سلامة الإجراءات الطبية ويتجلي في امتناع العديد من الأطباء عن إجراء العمليات الجراحية غير مأمونة العواقب.. حرصا علي سلامتهم.. بالاضافة إلي مظاهر أخري تضر بالمرضي. والسؤال.. هل معني ذلك ان مهنة الطب حاليا بخير؟ والاجابة.. لا بالطبع.. فما أكثر الأطباء الذين حولوها إلي "بيزنس" يسعون من خلاله إلي الحصول علي أكبر قدر من المال.. ولو علي حساب صحة مرضاهم. ولكن علينا ألا نغفل الوجه الأخر من الصورة.. هناك مئات الأطباء الذين يراعون ضمائرهم.. ويلتزمون بآداب المهنة الانسانية.. ويتعاملون بشرف وأمانة مع مرضاهم. والخطر يكمن في تعميم الأحكام علي الجميع. علما بأن مهنة الطب ليست محصنة ضد الأمراض التي أصابت المجتمع وأدت إلي اهتزاز منظومة القيم خاصة بعد سياسة الانفتاح التي قادت إلي إفساد العديد من المهن..والمهنيين. *** وقد قدر لي أن اقترب من كواليس مهنة الطب. خلال تعاملي مع الأطباء طوال 4 سنوات أصبت ورفيقة صباي وشيخوختي في وقت واحد بالمرض الخبيث. وكأن المصائب كما يقولون "لا تأتي فرادي". وقادتنا حالتنا الصحية إلي العديد من المستشفيات.. والتعامل مع أطباء بعضهم حاز علي شهرة واسعة داخل مصر.. ومع ذلك لم يعد يشغلهم سوي تكديس الأموال. وعندما يحتاجهم المريض يجد تليفوناتهم مغلقة. وآخرون تجاوزت شهرتهم حدود الوطن. إلي أفاق عالمية. وأضافوا إلي تخصصاتهم اكتشافات أنقذت ملايين المرضي علي مستوي العالم. ورغم ذلك يتعاملون برقي وانسانية مع مرضاهم.. وتجدهم عندما تحتاجهم في أي وقت.. وفي كل وقت. وكل ما يسعدهم ان يجتاز مريضهم مرحلة الخطر. ولن أنسي ما حييت.. السعادة التي ارتسمت منذ أيام علي وجه الجراح العالمي الدكتور حسن أبوالعينين عقب نجاح احدي الجراحات التي أجريتها. والحكاية بدأت عندما اكتشفت اصابتي بالمرض الخبيث ونصحني بأن أحصل علي العلاج الاشعاعي في مستشفي الزراعيين وعندما أبديت اندهاشي. قيل لي انها صاحبة أكبر خبرة في هذا العلاج ويشرف عليه أستاذ معروف من جامعة القاهرة. وطوال أربعين جلسة. لم أر طلعة الأستاذ البهية. إلا في اليوم الأول عندما حصل علي أتعابه واليوم الأخير عندما حصلت علي الجرعة الأخيرة. وتوقعت ان علاجي انتهي.. وان كان الشك يراودني لأن الأشخاص الذين كانوا يؤدون المهمة لا يبدو عليهم خبرة في هذا المجال. والنتيجة انني خرجت من تلك التجربة بانتكاسة لم تكن متوقعة. وكان علاجها يتطلب عدة جراحات.. لا تجري بالكفاءة اللازمة إلا في مركز الكلي بالمنصورة "د.غنيم" وهو المركز الذي شاركت منذ سنوات بعيدة زملائي من الصحفيين أبناء المنصورة الاحتفاء به.. والتبشير بالدور الذي سيقوم به في خدمة المرضي.. خاصة أصحاب الدخول المحدودة ولم أكن أتوقع أن ألجأ إليه كمريض. والحقيقة ان ما شجعني للجوء للمركز توقعي ان الدكتور أبوالعينين هو من سيقوم بإجراء الجراحة وصدمت عندما لم أجده في غرفة العمليات وان من سيجريها جراح آخر.. هو الدكتور أحمد الشال الذي عمل سنوات طويلة بأهم المستشفيات الكندية.. وقد أجري الجراحة بشهادة أبوالعينين بنجاح. سعدت لأن المركز لا يستجيب لرغبات المرضي في اختبار الأطباء الذين يعالجونهم وان هناك جداول معدة مسبقا تحدد مواعيد الأطباء الذين يجرون العمليات الجراحية. أمضيت خمسة أيام بالمستشفي وأشهد ان مستوي التعامل مع المرضي أكثر من رائع.. ولا تفرقة بين أصحاب المناصب.. والبسطاء من أبناء الوطن. ولكن لا يجب اغفال العامل النفسي. فعندما استكملت الجراحات طلبت ان يتولاها الدكتور أبوالعينين خارج المركز.. رغم محاولته اقناعي ان مثل تلك العملية تجري يوميا بنجاح داخل المركز.. الذي يضم خبرات يشرف بها كل مصري. وقع نبأ مرضي كالصاعقة علي زوجتي التي تدهورت حالتها الصحية ورفضت ان تلجأ للأطباء حتي لا تنشغل بغير رعايتي ولكنها لم تستطع المقاومة طويلا... فلم تعد قادرة علي الحركة. واكتشفنا ان المرض الخبيث أصابها وان حالتها تتطلب جراحاً متميزاً صاحب خبرة طويلة في هذا المجال. ووفقنا الله في اختيار الدكتور حسام عبدالقادر الفل الذي أنقذ حياتها من موت محقق وأجري أكثر من خمس عمليات انتزع خلالها الأورام الخبيثة. وقدم نموذجا رائعاً للطبيب الذي يراعي القواعد المهنية. التي تعظم من مسئوليته علي صحة المريض. وتفرض رعايته النفسية والطبية. وأشهد ان كل الأطباء المعروفين الذين اطلعوا علي الجراحة. أشادوا بكفاءة الدكتور الفل والطاقم المساعد بمستشفي السلام الدولي. وقدم إلي زوجتي هدية أخري بترشيح الدكتور حسن متولي أستاذ الأورام بجامعة القاهرة. ليتولي علاجها ويقوم بنفسه بالإشراف علي العلاج الكيميائي لمدة شهور بمستشفي دار الفؤاد بمدينة 6 أكتوبر. أردت أن أقدم تجربة شخصية استمرت 4 سنوات.. ومازالت مستمرة.. ربما تفيد القراء. وللتدليل علي أن تعميم الأحكام علي الأطباء.. خطأ كبير. وان الفجوة بين الأطباء ومرضاهم التي تتسع كل يوم.. ليست في صالح المرضي.. ولا الأطباء.. ولا مهنة ملائكة الرحمة.