عقد في موسكو منذ أيام. المؤتمر الدولي الثلاثون للجهاز الهضمي وزراعة الكبد والبنكرياس بحضور 2000 عالم من مختلف دول العالم. وتنظمه الجمعية الدولية لجراحة الكبد والجهاز الهضمي. ناقش العلماء أحدث تجاربهم في زراعة الكبد وعلاج أمراض الجهاز الهضمي. وتبادلوا الخبرات التي تحققت في دولهم. فوجئ العلماء المشاركون في المؤتمر بالعالم الياباني "د.تاكوري" سكرتير الجمعية يتحدث عن التقدم الذي حققته مصر في مجال زراعة وعلاج أمراض الكبد ويشير إلي مركز الجهاز الهضمي بجامعة المنصورة.. الذي حقق نتائج رائعة في هذا المجال. ويعلن تاكوري انه تم اختيار الدكتور محمد عبدالوهاب أستاذ جراحة الجهاز الهضمي والكبد والمشرف علي برنامج زراعة الكبد بجامعة المنصورة عضوا بمجلس إدارة الجمعية.. وممثلا لمنطقة الشرق الأوسط وأن يتم تكريمه ضمن عشرة أعضاء قدموا تجارب جديدة. قام الدكتور عبدالوهاب ليرد التحية.. وسط تصفيق أعضاء المؤتمر الذين تعاملوا مع تجارب مركز المنصورة بجدية كاملة.. عندما عرضها عبدالوهاب في محاضرته الأولي وأشار إلي ان المركز يستقبل عشرات الآلاف من مرضي جراحة الأمعاء.. والمعدة وأورام الجهاز الهضمي وانه يعد المركز الأهم في مصر والشرق الأوسط واحتفل منذ شهر بإجراء 600 عملية زراعة كبد.. حققت نجاحا يتراوح ما بين 60% إلي 90% ويتحمل نفقات علاجهم أهل الخير.. وتتحمل الجامعة جانبا من التكلفة.. و30% سيتحملها التأمين الصحي لمن يحق لهم التأمين. أثارت المحاضرة ردود أفعال إيجابية من جانب العلماء وحرص المحاضر علي أن يؤكد ان النجاح الذي تحقق يعود إلي فريق العمل.. الذي امتلك خبرات نادرة في هذا المجال وان التجربة تجد رعاية من الجامعة ومن المتبرعين وقد حقق المركز الثالث عالميا في زراعة الكبد بين الأحياء.. وأشار إلي الدعم الذي يلقاه من رئيس الجامعة وعميد كلية الطب. ترأس عبدالوهاب جلستين في المؤتمر. الأولي حول الاتفاق العالمي لوضع الطرق السليمة لعلاج أمراض القناة المرارية والثانية حول زراعة الكبد وقد أدارهما باقتدار. وبذلك أصبح لمصر ممثل في أهم جمعية عالمية تضم العلماء الأشهر في هذا المجال بل واختير العالم المصري ليمثل منطقة الشرق الأوسط بكاملها.. وكان حديث العلماء طوال جلسات المؤتمر يدور حول الإنجاز المصري الذي تفوق علي أمريكا والصين واليابان ودول أوروبا. ولابد ان العلماء المشاركين توقعوا أن تكون ردود الأفعال داخل مصر لهذا الحدث العلمي الرائع. تعكس تقدير المسئولين المصريين لهذا الإنجاز وتكريم الفريق الطبي الذي حقق الإنجاز الذي يتحدث عن العالم خاصة ان هؤلاء المسئولين يتحدثون كثيرا عن انه لا تقدم يحدث في مختلف المجالات.. دون الاهتمام بالعلم والعلماء. وفي مؤتمر الشباب الأخير تحدثت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة عن إنهاء قوائم الانتظار للعمليات الجراحية وأشارت إلي مركز كبد المنصورة الذي أنجز 5 حالات زراعة كبد من 6 حالات ما يعني 80% من مبادرة الرئيس. مركز جراحة الجهاز الهضمي والكبد في المنصورة يضم فريقاً علي مستوي عال.. ويشرف عليه الدكتور محمد عبدالوهاب الذي كرمه علماء العالم منذ أيام في موسكو.. بينما تجاهلت الوزيرة التي لا تتوقف عن الحديث عن الانتماء والاشادة إلي شخصه أو إلي الفريق الطبي الذي حقق المعجزة. هكذا نهتم بالعلم.. والعلماء. د.فاروق عزت عطاء بلا حدود لا يطاوعني قلمي في الكتابة عن إنجازات مركز الكبد والجهاز الهضمي بجامعة المنصورة دون الاشارة إلي الأب المؤسس وصاحب الفضل في اقامة هذا الصرح الطبي وهو المرحوم الدكتور فاروق عزت. واكبت تجربة الدكتور عزت في اقامة مركز لعلاج أمراض الجهاز الهضمي والكبد مع تجربة الدكتور محمد غنيم في اقامة مركز لعلاج الكلي كلاهما كان لديه رؤية مستقبلية. عزت كان يري ان البلهارسيا انتشرت بصورة مفزعة.. بما يشير إلي ان مصر ستواجه الأمراض الأخطر.. أمراض الكبد ويجب أن تؤسس لها مراكز علاجية علي مستوي عال. وعلي الجانب الآخر كان غنيم يري ان أمراض الكلي لا تقل خطورة.. وبدأ بالفعل خطواته نحو اقامة مركز لعلاج أمراض الكلي. وبينما كانت شخصية غنيم قابلة للاشتباك مع أحداث الوطن ولديه مواقف حسب انحيازات سياسية واضحة ويشارك في الفعاليات السياسية والثقافية في مصر. ويشجع فريق المنصورة لكرة القدم من مدرجات الدرجة الثالثة. كان عزت مختلفا. عالماً مسكوناً بقضية واحدة.. مواجهة الخطر القادم الذي يهدد صحة المصريين الذي يتمثل في أمراض الكبد.. ويري انه لا يجب الانتظار حتي يأتي المريض إلي المستشفي.. وانما أن ينزل الأطباء إلي القري والنجوع يفحصون المرضي.. ويقدمون العلاج.. ونقل من يحتاج إلي مستشفيات المنصورة. كانت المهمة تحتاج إلي أطباء من الفدائيين.. يدركون أبعاد الخطر ويشعرون بآلام المرضي من أهاليهم.. أهالي القري والنجوع ويقدرون ان مهنة الطب هي مهنة انسانية في المقام الأول. وكان فاروق عزت يمثل لهم بقدرته علي العطاء.. الرمز الذي يجسد انسانية مهنتهم ولذلك كانوا علي استعداد ان يفعلوا كل ما يطلبه منهم "القديس".. الذي جعل من حياته القصيرة نموذجا لعشق الوطن والتخفيف عن معاناة مواطنيه من المرضي حتي لو لم يكن يستطيع بالكلمات ان يترجم هذه المشاعر.. ولكنه كان يترجمها بالأفعال. وبقدرته الخارقة علي اقناع مجموعة من الشباب بنبل أدوارهم فانطلقوا في الحقول للكشف عن مرضي البلهارسيا. لم يتوقف الدكتور عزت عن العطاء حتي بعد أن هاجمه المرض وكانت وصاياه لتلاميذه محل تقدير. وما يحزنني حقا ان هذا الرجل لم يأخذ حقه من التكريم وان الآلاف من المرضي الذين يعالجون في الصرح الذي ساهم في اقامته.. لا يعرفون بل ان شباب الأطباء لا يعرفون تاريخه في الجهاد من أجل تحدي أمراض الكبد. عرفت الرجل عن قرب.. وأزعم ان قصة حياته وكفاحه تصلح لتقديم عمل درامي مشوق.. يثبت للأجيال الجديدة ان في مصر علماء لم يبخلوا عليها بالتضحيات.. دون مقابل.. ولم يتوقفوا عن محاولة تخفيف الآلام عن مرضاهم.. واحترام آدميتهم لا فرق بين غني وفقير. وهنا تجدر الاشادة إلي ان الطبيب الشاب- وقتها- محمد عبدالوهاب كان بمثابة الدينامو الذي يعتمد عليه عزت في تنفيذ مشروعه. الا يستحق الدكتور فاروق عزت تكريم بلاده بعد رحيله وهو ما لم يحظ به خلال حياته! أبوالعينين .. المصري عندما توصل الدكتور حسن أبوالعينين أستاذ المسالك البولية بكلية طب المنصورة إلي ابتكار استبدال المثانة المصابة بالسرطان بأخري من الأمعاء اعتبر هذا الإنجاز بمثابة ثورة في علاج أمراض الكلي والمثانة.. واستقبل بترحيب عالمي من خبراء المسالك الدولية وتم تسجيل الاختراع الذي أحيا الأمل لملايين مرضي سرطان المثانة باسمه في المراجع الطبية العالمية. وتمت دعوته لإجراء تلك الجراحة في 35 دولة من دول العالم وأمام كبار الأطباء الجراحين وأساتذة كليات الطب في جامعاتها. وفي الوقت نفسه وضع أبوالعينين في مقدمة أولوياته.. علاج المصريين في مختلف المحافظات.. ولم يتوقف عند مرضي مركز الكلي بالمنصورة. وقد التقيت به الثلاثاء الماضي.. وكان عائداً من محافظة أسيوط ليشرح لأساتذة كلية الطب وطلابها.. الاكتشاف الذي بعث الأمل لملايين المرضي. شارك في أغلب المؤتمرات العالمية الخاصة بالمسالك البولية وكان يقدم فيها بأنه "أبوالعينين المصري" الذي أنقذ ملايين المرضي وكان يلقي في كل مؤتمر محاضرة عن تقدم الطب في مصر.. والإنجازات التي تحققت في مركز الكلي بالمنصورة الذي ينافس أحدث المراكز العالمية. تحمل أبوالعينين مسئولية إدارة المركز عقب وصول الدكتور غنيم سن المعاش.. وتولي الدكتور بيومي شهاب الدين رئاسة جامعة المنصورة وكان تعيينه استنادا إلي إنجازاته العلمية.. واكتشافاته التي يتحث عنها العالم.. بينما كان بعض الأساتذة الكبار يريدونها بالأقدمية. وأثيرت في عهده قضية تفرغ الأساتذة.. وان يسمح لهم بفتح عيادات خاصة.. وهو المبدأ الذي رفضه الدكتور غنيم.. وكان موضع شكوي كبار الأطباء وأذكر أنني حضرت مع الصديق المرحوم علي حجازي عميد طب المنصورة الأسبق لقاء مع أطباء المركز طالبوه باقناع غنيم.. ولم ينجح. لم يعترض أبوالعينين علي العيادات الخاصة ولكنه تصدي لعدد محدود من أطباء "البيزنس" الذين عقدوا صفقات في عياداتهم مع المرضي.. ويجرون لهم جراحات في المركز. وصعد الأمر إلي رئيس الجامعة.. وعندما وجد ان تلك المشاغل والصراعات الإدارية ستعوقه عن أبحاثه العلمية آثر الانسحاب. والسؤال.. ألا يستحق هؤلاء العلماء أن تكرمهم الدولة؟