بعد أسابيع من النقاشات الداخلية. حسمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. موقفها وقررت. وقف التمويل كلياً عن وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدني "الأونروا". القرار يأتي في إطار سلسلة من مواقف صارمة اتخذها الرئيس الأمريكي تؤدي في النهاية إلي القضاء علي حلم تحقيق السلام في الشرق الأوسط. قدمت هذه الوكالة خدمات مهمة للاجئين الفلسطينيين في مجالات حياتية مهمة كان أبرزها مجال التعليم. ولكنها مثلت أيضاً اعترافاً من المجتمع الدولي الذي أقرّ قيام إسرائيل علي أرض فلسطين بمسئولية ما عن قضية اللاجئين وهو الذي أقر لهم حق العودة ولم يتمكّن من فرضه علي إسرائيل. وكانت إدارة ترامب قد قررت مطلع 2018 تخفيض الدعم السنوي الذي تقدمه الولاياتالمتحدةالأمريكية للوكالة من 365 مليون دولار. إلي 125 مليون دولار سنويا لم تقدم منها لعام 2018 إلا 60 مليون دولار. وكان التمويل الأمريكي للوكالة يمثّل سابقاً ثلث ميزانيتها السنوية والبالغة 1.24 مليار دولار وهو ما يؤثّر جذريّاً في حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين المعتمدين علي خدمات الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان. ولكن الهدف الرئيس من الخطوة يبقي سياسيا ويتمثل بتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بدأ بعدم الاعتراف بوجود قضية كهذه. يأتي هذا الأمر في سياق تفاهم أمريكي - إسرائيلي يهدف إلي حسم قضايا الحل النهائي من جانب واحد وتصفية القضية الفلسطينية كليا. ففي ديسمبر 2017 اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وأتبعها بنقل السفارة الأمريكية إليها في مايو 2018 وفي يوليو 2018 تبني الكنيست الإسرائيلي قانون "الدولة القومية" وهو القانون الذي منح اليهود دون غيرهم من مواطني إسرائيل حق تقرير المصير. وقد ترافق قرار وقف تمويل الأونروا مع قرار آخر اتخذته إدارة ترامب يتمثل بحجب مساعدات إغاثية وطبية وتنموية بقيمة 200 مليون دولار كان من المفترض صرفها هذا العام في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتذرعت الإدارة الأمريكية في قرارها الأخير بأنه لا توجد مصلحة قومية أمريكية في صرف ذلك المبلغ في الضفة والقطاع خصوصا في ضوء ما تزعمه من حالة "عداء" فلسطيني نحو الولاياتالمتحدة لكن استراتيجية الإدارة الأمريكية أصبحت علنية في هذا السياق. وهي تقوم علي الضغط الاقتصادي علي الفلسطينيين. للقبول بأفكار مستشار الرئيس والمكلف بملف الشرق الأوسط جاريد كوشنر ومعاونيه المتوافقة مع اليمين الإسرائيلي المتطرف. لم يكن قرار قطع التمويل أمريكياً عن الأونروا مفاجأة إذ كانت إدارة ترامب أعلنت مطلع 2018 تخفيض حجم الدعم السنوي الأمريكي بنحو الثلثين ولم تقدم منه فعلياً إلا السدس تقريبا في غسطس 2018 كشفت مجلة فورن بوليسي عن رسائل بريد إلكتروني مسربة. توضح كيف ضغط كوشنر علي مسئولين آخرين في الإدارة للانخراط في جهد جدي للتضييق علي الأونروا. وبحسب تقارير إعلامية أمريكية فإن قرار وقف التمويل عن الأونروا اتخذ خلال اجتماع بين كوشنر ووزير الخارجية مايك بومبيو. في حين أدّت السفيرة الأمريكية لدي الأممالمتحدة نيكي هيلي دوراً مهماً في تبنّي القرار ويعتبر كوشنر وهيلي أكبر داعمين للقرار وقد ضغطا من أجل تمريره. وذلك علي الرغم من معارضة وزارة الدفاع والمؤسسات الاستخباراتية الأمريكية التي حذّرت من انزلاق المنطقة نحو العنف نتيجة انقطاع المساعدات عن الفلسطينيين وقد جادل كل من كوشنر وهيلي بأن الأونروا أحدثت حالة من "الاتكالية" بين الفلسطينيين وبأن إصرارهم علي حق العودة يناقض كون دولة إسرائيل "دولة الشعب اليهودي" ويديم الصراع ومن ثمّ يعطّل إمكانية تحقيق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. في النهاية مهما قدمت الإدارة الأمريكية من مبررات يبقي حق العودة والحلم بدولة مستقلة أساس القضية الفلسطينية التي تتوارثها الأجيال في المنطقة العربية بأسرها.