وقائع التاريخ الحديث تقول، انه لم يأت علي كل سكان البيت الأبيض منذ أربعينيات القرن الماضي، أي رئيس أمريكي اتخذ مواقف او قرارات ضد التوجهات والسياسات الاسرائيلية، مع تعاقب الرؤساء واختلاف انتماءاتهم، أقصي مايمكن أن نرصده في هذا المجال، تحفظ علي قرار،أو تأجيل مؤقت لمساعدات،سرعان ماتعود بعد ضغوط اللوبي الصهيوني، او حالة عدم تفاهم أو انسجام بين قيادة البلدين، غير ذلك هناك توافق بين السياستين، وتناغم بين البلدين، ولكن التاريخ سيذكر أن الرئيس رونالد ترامب هو الأسوأ بين حكام الولاياتالمتحدة، من حيث مواقفه تجاه الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، وهو الأكثر »بطبيعة الحال» انحيازا للمواقف الاسرائيلية، بل انه يسعي وفقا لمخطط لم يعد يخفي علي أحد إلي تصفية حقيقية لها. ترامب لم ينتظر نهاية هذا العام،او اجتماعات الاممالمتحدة، او اي مناسبة ذات أهمية، ليعلن من خلالها بنود صفقة القرن، ولكن ترامب وفقا لاستراتيجية واضحة، سعي إلي اتخاذ افعال لتنفيذ بنود في الصفقة، بعيدا عن الاقوال، واستهدف بالأساس اثنين من اهم قضايا المرحلة النهائية لأي مفاوضات مستقبلية بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهما قضية القدس،واللاجئين وحق العودة للفلسطينيين، ناهيك عن محاصرة منظمة التحرير الفلسطينية وحركتها في امريكا، فقد قرر إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وهو قرارغير مسبوق ردا علي رفض السلطة الفلسطينية الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل،ممادفع القيادة الفلسطينية إلي تعليق الاتصالات مع الإدارة الأمريكية، وبعدها بأسبوع تقريباً، تراجع ترامب عن القرار، واستبدل ذلك بفرض »قيود» علي بعثة منظمة التحرير. ذهب ترامب إلي أهدافه مباشرة عندما اتخذ في ديسمبر من العام الماضي، بقراره بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ولم يتوقف عند الرفض العالمي للقرار، والذي تمثل في لجوء السلطة الفلسطينية إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي قامت بالتصويت علي مشروع قرار، تقدّمت به تركيا واليمن، يرفض تغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة، وأكد القرار الأممي الذي صوتت لتأييده 128 دولة، في حين اعترضت 9 وامتنعت 35 عن التصويت، أن أي إجراءات تهدف إلي تغيير طابع القدس »لاغية وباطلة»، لم يكتف ترامب بذلك، بل في احتفال اسرائيل بعيد تأسيسها، قام بافتتاح مقر جديد للسفارة الامريكية في احتفال كبير برئاسة وزير الخزانة ستيف منوتشين، وعضوية ابنة الرئيس الأمريكي إيفانكا ترامب، وزوجها مستشاره جاريد كوشنير.السفير الأمريكي في اسرائيل دافيد فريدمان الذي علّق علي الحدث بالقول إن: »الرئيس (هاري) تورمان بعد 11دقيقة اعترف بإسرائيل كأول بلد، والآن بعد 70 عاماً الولاياتالمتحدة تُقدم علي الخطوة التي تم انتظارها، والدفاع عنها، كل هذه السنوات». وتفاخر ترامب منذ ايام، قائلا انه نجح في ازاحة قضية القدس من مائدة المفاوضات بين الطرفين. وبدأت إجراءات البند الثاني من خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية، والخاصة بانهاء قضية حق العودة،والانتهاء من ملف اللاجئين الفلسطينيين، والسعي إلي القبول بتوطينهم في الدول المضيفة، واتخذ عدة أشكال،بدأت بمحاولة خنق وكالة الاونروا وتجميد 125مليون دولار من مخصصات »أونروا»، الذي يشكّل ثلث التبرع السنوي الأميركي للوكالة، مما تسبب في معاناة الوكالة من أزمة مالية أثرت علي عملها في مناطق اللجوء الخمس، وتحديداً قطاع غزة، ناهيك عن خنق السلطة الفلسطينية نفسها بخصم 200 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية، كانت مخصصة إلي قطاع غزة والضفة الغربية، الشكل الثاني التشكيك في ارقام اللاجئين وتعريفهم، بينما تتحدث الوكالة وتشير الإحصائيات الفلسطينية، إلي انهم وصلوا إلي اكثر من خمسة ملايين لاجئ،تقول امريكا علي لسان كثير من المسئولين الامريكيين »آخرهم مندوبة واشنطن في الاممالمتحدة نيكي هيلي» انهم فقط نصف مليون، وفِي الطريق أيضا إجراءات أخري،وهي سحب اعتراف واشنطن بوكالة الأونروا، والاعلان عن وقف تمويل نشاطات الوكالة في الضفة الغربية، والطلب من »إسرائيل» إعادة النظر في التفويض الذي تمنحه لنشاط »الأونروا» بالضفة، وذلك بهدف منع الدول العربية من تمويلها. وآخر تلك الإجراءات التي يتم التباحث بشأنها إقناع دول المنطقة بالقبول بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، مع إغراءات مالية ضخمة، وهو مايمثل نهاية لفكرة حق العودة تماما، القضية الفلسطينية ضاعت،عندما وضعنا »كل البيض في السلة الامريكية»، وسلمناها 99 بالمائه من أوراقها.