أذهلني رقة تناول الموضوع. وخفة وبساطة وحسن اختياره النصوص. كأنه حلم راود صاحبه. وبمحبة كبيرة نتجول ونتوغل في الأدب الروسي. بمساعدة صديق يعلم يقينا اننا سنستمتع معه. ولأن الكاتب أحمد صلاح الدين لم يكن بعيدا عن الأدب الروسي فهو مترجم وله عدة مقالات نشرت في الصحافة المصرية والمواقع العالمية. زاد امتناني له بصدور كتابه مؤخرا عن دار مصر العربية للنشر والتوزيع ¢ورثة تالستوي¢ علي جسر كوزنيتسكي. وفي مقدمة كتابه تحدث عن عشقه للأدب الروسي وقال ¢كنت أتأمل فكرة الثقافة من خلال بعدها التنويري ودورها في خلق وعي مختلف. وفي صنع إنسان حر. لديه القدرة علي الفهم والتحليل واتخاذ القرار¢. وشرح لنا تفصيليا ما مر به تاريخ الأدب الروسي ومراحله الأربعة الرئيسية. عصر ما قبل بطرس الأكبر والعصر الإمبريالي وعصر ما بعد الثورة وعصر ما بعد الاتحاد السوفيتي. وانه بالرغم من حدوث أزمة حقيقية في الإنتاج الأدبي في ثمانينيات القرن الماضي وتراجع معدلات القراءة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. إلا أن هناك عودة حالية لاستعادة مكانة روسيا كأمة تقرأ. وتواجد أسماء أعاد الأدب الروسي إلي حلبة الإبداع العالمي. ويقدم صلاح الدين في كتابه الأسماء الجديدة في الأدب الروسي المعاصر. ومجموعة من المقالات والدراسات ونماذج إبداعية مترجمة لهم. وهؤلاء هم ورثة الكاتب العظيم تولستوي من جيل المعاصرين والامتداد الحقيقي له. ¢لا يوجد إنسان ضعيف. بل يوجد إنسان يجهل مواطن قوته¢. مقولة شهيرة لتولستوي ابن الأثرياء معشوق الفلاحين. والأب الروحي الحقيقي للأدب الروسي. عاش ومات كأسطورة. يقول الكاتب عنه لم يكن كتابه ¢مملكة الرب بداخلك¢ إلا تأكيدا علي المكانة التي وصل إليها كفيلسوف أخلاقي دعا إلي نبذ العنف والتسامح والسلمية وقد ظهر تأثير هذه الأفكار علي عظماء القرن العشرين مثل غاندي ومارتين لوثر كينج وانتشرت تعاليم تولستوي في كافة الأرجاء. حتي خارج روسيا. وأصبح له أتباع. يؤمنون بأهمية الحياة ببساطة وتوزيع الثروة والصبر علي مكاره الحياة واللاعنف وعبر الكاتب المصري العظيم نجيب محفوظ عن رغبته في كتابة رواية علي نهج ¢الحرب والسلام¢ لتالستوي. كما أبدي داستايافسكي إعجابا كبيرا برواية ¢أنا كارينينا¢ وانها تفوق أي رواية أوروبية بطلتها هذه الشخصية المأساوية. ويذكر أن تالستوي تأثر بالأدب العربي ودرس اللغة الغربية في قسم اللغات الشرقية بجامعة كازان. وقرأ ¢ألف ليلة وليلة¢ وظهر أثر قرائته في رواية ¢لحن كريستر¢. ونشر حكاية ¢علي بابا والأربعين حرامي¢ في جريدته باستايا باليانا. وحظي بمكانة كبيرة وحضور في الأدب العربي. حيث تراسل مع العديد من الأشخاص العاديين وبعض اعلام العرب ممن اطلعوا علي أعماله. ومنها رسالة للشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية. ورد عليه تالستوي. وهذه الرسائل محفوظة في متحف ليف تالستوي الأدبي بمدينة موسكو. وتحت عنوان طيف تشيكوف يسرد لنا الكاتب قصة حياة الأديب الروسي مكسيم جوركي. أول من قدم العالم السفلي. والطبقات المهمشة في أعماله. ومؤسس الواقعية الاشتراكية. وعلاقته بأنطوان تشيكوف عام 1898. والمراسلات التي بينهم. وعن الانطباع الأول لجوركي عن تشيخوف قال ¢انت أول إنسان أراه في حياتي يتمتع بهذا القدر من التعفف والحرية¢. وقدمه تشيخوف لجماعة الفن المسرحي في موسكو. ¢صعلوك الفودكا ذو الموهبة الكبيرة¢. وكانت هذه البداية لجوركي في عالم المسرح. وتعددت اللقاءات. وجمعت قواسم مشتركة بينهما. أهمها النشأة المتواضعة لكل منهما. والنقمة علي الأوضاع السياسية والاجتماعية في روسيا سواء في عهد القياصرة أو ما بعد ثورة أكتوبر 1917.