منذ دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي ثورة تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة والمؤسسات الدينية في مصر تتنافس في إطلاق الوعود والتصريحات المكررة دون أن نجد تحركا واعيا علي الأرض لبدء ثورة دينية حقيقية تستهدف القضاء علي بذور التطرف والإرهاب التي لا تزال موجودة في التربة المصرية وتسفر عن تفريخ أجيال جديدة من المتطرفين والإرهابيين. كان ينبغي أن يدعو شيخ الأزهر د.أحمد الطيب وهو كبير العائلة داخل المؤسسات الإسلامية في مصر إلي اجتماعات عاجلة تضم علماء الأزهر والأوقاف والافتاء وعددا من أساتذة الجامعات المتخصصين في علوم الاجتماع والتربية والطب النفسي لبحث كيفية اطلاق هذه الثورة الدينية وكيفية تحقيق أهدافها.. ليس لأن الرئيس قد دعا إليها. ولكن لأننا بالفعل في حاجة ماسة لها بعد أن تحول التطرف الديني من ظاهرة فكرية وثقافية خطيرة إلي مشكلة أمنية كبيرة. حيث حمل المتطرفون الاسلحة الفتاكة وقتلوا وحرقوا وخربوا تحت شعارات دينية زائفة. أصبح التطرف الديني وقود الإرهاب وزاد الإرهابيين فهم يقتلون ويحرقون ويخربون استنادا إلي فتاوي مضللة تزين لهم ما يفعلون وتوهمهم بأنهم بجرائمهم المنكرة سينعمون بالجنة بعد أن ينضموا إلي قوافل الشهداء. * * * * ما سمعناه وقرأناه خلال الأيام الماضية علي لسان المسئولين في الأزهر والأوقاف والافتاء يؤكد عدم وجود خطة واضحة لمواجهة موجات التطرف والتكفير التي اقتحمت المجتمع المصري وسيطرت علي عقول بعض شبابه وشيوخه.. فالقوافل التي أعلنوا عنها موجودة منذ شهور ولم تغير شيئا علي الأرض حيث لا يقبل عليها الشباب المستهدف.. ومناهج الدراسة بالمعاهد الأزهرية لا تزال بها شوائب تتعارض مع الفكر الوسطي المعتدل الذي هو قوام الدراسة والعلم بالأزهر. وجامعة الأزهر لا تزال زاخرة بالأساتذة المتطرفين.. ومساجد وزارة الأوقاف لم تتخلص تماما من العناصر التكفيرية ولا تزال بها خلايا نائمة تستيقظ وقت أن تتاح لها الفرصة.. ومناهج الدراسة بالتربية والتعليم والجامعات تهمش الثقافة الإسلامية وتتجاهل رسالتها في حماية عقول الصغار والشباب من سموم المتطرفين. معني أننا في حاجة إلي مناهج دراسية تقدم الفكر الإسلامي الصحيح لأولادنا في المدارس والجامعات.. في حاجة إلي جهود متواصلة لتطهير المؤسسات الدينية من العناصر المتطرفة.. في حاجة ماسة إلي خطة عمل تنفذها المؤسسات الدينية وتنطلق من خلالها لاقتحام تجمعات الشباب في كل المواقع وتقديم ثقافة دينية واعية تحميهم من موجات التشدد الديني وقوافل التكفير التي اقتحمت معظم البلاد العربية بسبب تراجع أداء المؤسسات الدينية القائمة فيها. لا نريد ثورة تصريحات من المسئولين في الأزهر والأوقاف والافتاء لمجرد ترضية الرئيس والتجاوب مع مطالبه من العلماء والدعاة.. بل نريد خططا وبرامج تنفذ علي الأرض لتطهير عقول شبابنا من الفكر الديني الملوث الذي تسرب إليهم بسبب تراجع أداء العلماء والدعاة المستنيرين وانشغال المؤسسات الدينية بأمور شكلية لا تغير شيئا علي الأرض. لا نريد مظاهرات إعلامية نخدع بها أنفسنا قبل أن نخدع الآخرين فالمؤسسات الإسلامية في مصر زاخرة بعناصر فاعلة من الشباب يجب أن تأخذ الفرصة كاملة لكي تعمل وتثبت وجودها. لا نريد أفكارا تقليدية في التعامل مع موجات التطرف الديني بل يجب أن تكون هناك برامج دينية فاعلة ومناهج دراسية جاذبة تنطلق من المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والمساجد والتجمعات الشبابية. لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بشعارات زائفة بأن شبابنا بخير وأن فكرهم الديني مستنير فالواقع الفكري والثقافي والنفسي للشباب يؤكد أننا أمام جيل ضائع وحائر بين المخدرات والمواقع الإباحية والسفاهات الجنسية والافكار المسمومة التي تتسرب إلي عقله من هنا وهناك. * * * * الثورة الدينية التي دعا إليها رئيس الجمهورية ونحن في حاجة ماسة إليها تحتاج إلي خطة واضحة من المسئولين في المؤسسات الدينية خاصة الأزهر الذي يجب أن يقوم بثورة تصحيح للفكر الإسلامي في العالم كله تنطلق من مصر الأزهر إلي كافة البلاد التي تعاني من التطرف الديني والارهاب باسم الدين. معالم هذه الثورة الدينية المنشودة واضحة ومحددة إذا ما انطلقت من الأزهر قبلة الوسطية والاعتدال الديني في العالم بشرط أن يعترف القائمون علي الأزهر بأوجه القصور وضرورة التغيير. انطلاق هذه الثورة الدينية لن يتحقق علي يد علماء ودعاة تجاوزوا الثمانين ولم تعد طاقاتهم البدنية والعقلية تمكنهم من العطاء والجدال مع الشباب وإقناعهم بما هو حق وعدل.. بل عناصر هذه الثورة من الدعاة الشباب المتميزين وهم كثيرون في كل المؤسسات الإسلامية وينتظرون فرصة حقيقية للانطلاق والعطاء الديني والفكري المتميز. اتفاق الأزهر والأوقاف والافتاء مع وزارة الشباب علي اقتحام المراكز والتجمعات الشبابية وبرتوتكولات التعاون لا تزال حبرا علي ورق فالعلماء والدعاة في كهوفهم والشباب في لهوهم وغيهم وصور توقيع هذه الاتفاقيات أصبحت "ذكري" بعد أن تحقق الشو الإعلامي منها. أناشد الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن يتحاور هو شخصيا مع الشباب من كل التوجهات.. أطالبه ان ينظم عددا من الحوارات المباشرة مع الشباب من القوي السياسية والإعلاميين وشباب الجامعات والحرفيين وغيرهم لتكون نموذجا لحوارات أوسع يقوم بها عدد كبير من العلماء والدعاة في كل الجامعات والمدارس الكبري ومراكز الشباب وغيرها. نحن في حاجة إلي ثورة دينية حقيقية بعيدا عن المظاهرات الكلامية التي أفسدت المؤسسات الإسلامية وصرفتها عن مهامها الكبري.