خلال عقود عديدة تم تهميش مادة التربية الدينية، وتحولت « حصة الدين» في المدارس إلى استراحة من عناء يوم دراسي طويل! الطالب لا يقرأ ولا المعلم يهتم بالشرح، والطلاب يبحثون عن جرعة دينية افتقدوها، فتتلقفهم أيدي التطرف والإرهاب! وفى ظل الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات الأمنية والدينية للتصدي للإرهاب والعنف ونشر الوسطية والاعتدال والتسامح بين أبناء المجتمع، والقوافل الأزهرية التي انطلقت إلى المحافظات لمواجهة الفكر المتطرف بالقرى والنوادي ومراكز الشباب، يؤكد علماء الدين أن تلك الجهود وحدها لا تكفي، وأن التصدي للعنف والإرهاب يبدأ من المدرسة. وطالبوا بتدريس مادة التربية الدينية مادة أساسية في مراحل التعليم المختلفة، وإخضاع المناهج الدينية لإشراف هيئة كبار علماء الأزهر، لتخريج أجيال تتمتع بفكر وسطى لا يعرف الغلو والإرهاب والتطرف، وأن تكون مصدراً لتدين الشباب ونشر الأخلاق وتدعيم أواصر الوحدة الوطنية وذلك بجعل مادة للثقافة المشتركة مع غير المسلمين حفاظاً على الوحدة الوطنية. ولكن كيف يمكن إعادة إحياء هذه الحصة لإحياء منظومة القيم والأخلاق وتحصين الطلاب والشباب من التطرف؟ وهل نحن بحاجة إلى إعداد مناهج دينية جديدة تركز على منظومة القيم والأخلاق؟ ولماذا لا تكون المادة الدينية إجبارية على طلاب الجامعات؟! يقول الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئه كبار العلماء، إن مادة التربية الدينية في المدارس تحتاج إلى مراجعة من جديد في ظل الظروف التي تمر بها البلاد وانتشار سوء الأخلاق، بل وانعدامها، وطالب بأن نكوّن لجنة من كبار علماء الأزهر الشريف لوضع خطة لتطوير مادة التربية الدينية في جميع المدارس وتكون تحت إشراف الإمام الأكبر شيخ الأزهر وذلك من بداية المراحل التعليمية حتى الجامعة وأن تكون ماده أساسية يثاب عليها الطالب ويعاقب حتي نستطيع الرجوع إلى المبادئ والأسس الصحيحة التي نادي بها الإسلام منذ فجر الطليعة، واقترح هاشم أن تسمي هذه المادة الثقافة الإسلامية وليس التربية الدينية، وأضاف أننا في حاجة إلى ضوابط ومنهجية الإسلام التي تعمل على إزاحة السلبيات. من جانبه أكد الدكتور عبدالفتاح إدريس، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن المنظومة التعليمية تحتاج إلى إعادة النظر في شتى المجالات لأن مفردات هذه المنظومة ثابتة لا تتغير منذ أمد بعيد، بعد أن كانت مصر رائدة في مجال التعليم على مستوى الشرق الأوسط، وانحدر مستوى التعليم إلى الهاوية بسبب السياسة الخاطئة التي يتبعها المسئولون. وتساءل كيف لمادة مهمة مثل الدين في دولة دينها الإسلام أن تكون مادة ثانوية لا أهمية لها؟! وفي سياق متصل يؤكد الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، أن المناهج الدينية في مصر تحتاج إلى مراجعة لمواجهة الأفكار الهدامة كما فعلت دار الإفتاء المصرية بإنشاء مرصد للرد علي الأفكار والفتاوى التكفيرية لرفعة الأمة ونهضتها، كما أن المناهج يجب أن تحرص دائماً على اختيار الآراء الوسطية المعتدلة التي تعبر عن الإسلام الذي هو دين الاعتدال والوسطية البعيد عن التطرف والتشدد بجميع أشكاله وألوانه. إصلاح الخلل ويقول الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط، إن المناهج الدينية بحاجة إلى إعادة النظر وتغيير بعضها في ضوء مستجدات الأحداث، فمثلا في هذه الأيام يوجد فتنة تكفير المجتمع، والدعوة إلى العداء بين المسلمين والنصارى، ويجب على المسئولين مواكبة ما يحدث في المجتمعات من خلال إقرار المناهج الدينية الجديدة في المدارس (ابتدائي وإعدادي وثانوي) لتتوافق مع تلك المستجدات، ثم بعد ذلك أن نوكل إصلاح ذلك الخلل إلى المتخصصين من علماء الأزهر حتى يكتبوا في حل هذه المشكلات المتجددة، وقد يجد في المنظور القريب أو البعيد مشكلات أخرى تحتاج إلى أن نصف لها الدواء، حتى لا يقوم النشء على فكر مختل. وأضاف: أن طلاب الجامعات بحاجة ماسة الآن إلى وجود تلاحم فكري بينهم وبين علماء الأزهر، وأنا أرى أنه لو أتيحت الفرصة لعلماء الأزهر للقاء الشباب لقاء منتظما في المدارس والجامعات ومراكز الشباب وما إلى ذلك من التجمعات لأثمرت ثمرة حسنة، ولاقتلعت جذور الإرهاب والتشويش الفكري من عقول الشباب. وطالب الحكومة الجديدة ووزراء الشباب والرياضة والتربية والتعليم العالي بإفساح المجال أمام القوافل الأزهرية لعقد ندوات ومحاضرات علمية لتحصين الشباب ضد التطرف، والإسراع في تدريس مادة للثقافة الإسلامية بالجامعات يقوم على تدريسها أناس مخلصون يتم اختيارهم بدقة لتغيرت الكثير من المفاهيم الخاطئة. قيم الوحدة الوطنية من جانبه يقول المستشار عبد العاطي الشافعي ، عضو المجلس العلمي المصري، إن الحارس الأمين والحقيقي والفعلي للأمة هو التربية الدينية ولقد كان دستور 1971 ينص في مادته التاسعة على أن الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وهذه المادة نقلت بحالتها إلى دستور 2014 الجديد، والانفلات الأخلاقي الذي تعانيه الأمة والذي ينبثق منه الانفلات السلوكي والإعلامي والبيئي مرجعها إلى غياب التربية الدينية، ولو أننا ربينا أطفالنا منذ نعومة أظفارهم على قيم الإسلام وان الإسلام عماده الرحمة والمحبة والسلام ولو أننا ربينا أيضا أطفالنا المسيحيين منذ نعومة أظفارهم على أن المسيحية عمادها أيضا الرحمة والمحبة والإسلام، لأن الأديان السماوية كلها تنبع من معين واحد وتصدر عن أصول واحدة كلها تؤدي إلى تربية النشء تربية سليمة على التسامح والمحبة والرفق والحنان والتراحم والتكافل والتعاون بعيدا كل البعد عن التشدد والتطرف والإثم والعدوان الذي تعاني منه الأمة هذه الأيام، ولو أننا علمناهم حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذي جمع بين هذه القيم جميعا في بلاغة ما بعدها بلاغة وبيان ما بعده بيان حينما قال ( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على شىء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم)، هذا هو السلام الاجتماعي الذي دعا إليه الإسلام الذي لو تبعناه والتزمنا به ما رأينا أبدا هذا الذي يحدث في مصر من تخريب وتدمير وتشويه لصورة الإسلام على نحو لم يسبق على مدى أربعة عشر قرنا من الزمان، وهذه الإساءة التي تجرى للإسلام وتشويه صورته وتشويه صورة الأمة الإسلامية كله مرجعه الى غياب التربية الدينية الحقيقية، ولو أننا وجهنا وجوهنا شطر التربية الإسلامية منذ سنين مضت ما عانينا ما نعانيه اليوم من إثم وعدوان وغياب تام للتعاون على البر والتقوى. وطالب جميع مؤسسات الدولة الدينية والتعليمية والعلمية والثقافية وغيرها بأن نعود من جديد إلى الإفصاح عن الوجه الحقيقي للإسلام وانه دين الرحمة والمحبة والتسامح والسلام، وان نبادر اليوم قبل الغد في أن نضع في مناهجنا الدراسية منذ الحضانة حتى التعليم الجامعي تعليم هذه القيم وهذه المبادئ عن طريق أساتذة هم القدوة والأسوة في الرحمة والتسامح والمحبة والسلام، فلنعلم هذه القيم لمعلمينا أولا ثم ينقلونها بعد ذلك إلى فلذات أكبادنا، ذلك أن فاقد الشىء لا يعطيه ولتكن التربية الدينية شاملة إسلامية ومسيحية، ولنعلم أبناءنا أن القرآن الكريم يأمرنا بأن نتسامح حتى مع أعدائنا فما بالنا بإخوتنا ومواطنينا وأحبتنا وذلك في قوله تعالى: ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم) وهكذا يقول السيد المسيح عليه السلام (أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم وصلوا من اجل الذين يسيئون إليكم). ندب علماء من الأزهر ويرى الدكتور عبدالفتاح عبدالغني العواري، أستاذ ورئيس قسم التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر بالقاهرة، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أنه إذا أرادت الدولة سلامة بنيان مجتمعنا فعليها أن تعمم ثقافة الإسلام الوسطي على سائر أبنائنا في الجامعات، ويندب لذلك علماء متخصصون من الأزهر الشريف للقيام بتدريس هذه المادة، المهمة لا أن تترك التربية الدينية هامشية، فلا تضاف إلى مجموع الطالب، ومن هنا ينظر الطالب وولي أمره إليها أنها مادة ليس بالشىء الذي يعتنى به، فلا الطالب يقرأها ولا المعلم يدرسها، ومن هنا يتخرج أبناؤنا فيبحثون عن جرعة دينية افتقدوها في شبابهم، فتتلقفهم أيدي التطرف، والفكر المغالي في التشدد، فعندها يقولون: هذا هو الإسلام، والإسلام برىء من ذلك، وتبعة التقصير تتحملها الدولة والمسئولون فيها أمام الله عز وجل، لأننا نجني الآن ثماراً مرة بسبب هذا الغرس المتشدد الذي أخذه أبناؤنا وشبابنا من كتيبات صفراء يدرسها أناس لا صلة لهم بقواعد الشرع، ولا قوانين اللغة، ولا يفهمون دلالات الألفاظ على معانيها، ولا يفرقون بين المنطوق والمفهوم، ولا يعرفون معنى القياس الجلي من الخفي، ولا يجيدون صنعة المنطق وقواعد الترجيح، ومعرفة الجمع بين الدليلين إن أوهم ظاهرهما التعارض، لماذا؟ وذلك لأنهم ما أخذوا هذه العلوم من شيخ من مشايخ الأزهر المعتبرين وما حصنوا أنفسهم بأسس وقواعد نعلمها لأبنائنا قبل أن يتركوا لقراءة كتاب وحدهم دون توجيه، ومن ثم فهذا الصنف المتشدد لا يقرأون وإن قرأوا لا يفهمون لأن فاقد الشىء لا يعطيه. كما طالب الدولة بأن تدفع بشبابها إلى حضن الأزهر، وثقافته الوسطية حتى تعبر بسفينتها إلى بر الأمان، وعندها يصبح المجتمع خاليا من الخلل ويعيش الناس في أمن وطمأنينة، وبذلك يفرح بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.