عرفت "الجمهورية" وعشقتها عن طريق حارسي عم جبر زريق.. الموظف المصري البسيط.. أحد عشاق هذه الجريدة الشعبية التي كان يحرص علي قراءتها الموظفون ومواطنو مصر البسطاء. كنت في أوائل السبعينيات تلميذاً بمدرسة القلج الإعدادية.. وكنت أرقب عم جبر وهو عائد من عمله حاملاً جريدة "الجمهورية" تحت إبطه.. ولا أدري لماذا انجذبت إليها وأتطلع لتصفحها.. هل هو الفضول؟!.. أم ظروف حرب الاستنزاف والغارات الإسرائيلية التي كانت تهددنا كل ليلة؟! كنت أريد التعرف علي الأخبار من "الجمهورية".. فلم يكن لدينا في منزلنا راديو أو تليفزيون.. وكانت والدتي رحمها الله ترتبط بعلاقة قرابة بزوجة عم جبر.. وكانت تحضر لنا الجريدة كل يوم لأتصفحها وأعيدها إلي الرجل الطيب.. وتوطدت علاقتي بعم جبر وتحولت إلي صداقة قوية.. وكان من أكثر السعداء بانضمامي لأسرة "الجمهورية" حتي انني كنت أحرص علي أن أعطيه نسخة الجريدة بعد خروجه علي المعاش. لم أكن وقتها أتخيل انني سأكون محرراً ب"الجمهورية" ولم أحلم أني سأشاهد بعيني العمالقة الذين كنت أقرأ لهم.. بل وأكون زميلاً لهم! الصدفة وحدها هي التي ساقتني إلي مبني "الجمهورية" القديم بشارع زكريا أحمد.. ففي أحد أيام صيف 1982 وبعد تخرجي بأيام قليلة وحصولي علي ليسانس انجليزي من آداب عين شمس.. وبعد مشاهدة أحد الأفلام بشارع عماد الدين قررت أن أذهب إلي مبني "الجمهورية".. وطلبت من موظف الاستعلامات أن التقي بأحد المسئولين بالجريدة.. فأوصلني بالراحل الكبير الأستاذ حمدي النحاس رئيس تحرير "الكورة والملاعب" وقتها.. وقابلته في مكتبه دون وساطة أو سابق معرفة واستقبلني الرجل بتواضع جم.. وسألني عن مؤهلي.. فقلت له آداب انجليزي.. فقال لماذا لا تعمل بالترجمة أو التدريس.. قلت له إنني أحب الصحافة.. ولما وجد مني إصراراً كبيراً وافق علي انضمامي لأسرة تحرير "الكورة والملاعب" بعد اختبار في الكتابة والترجمة لأحد الموضوعات بمجلة "وورلد سوكر" العالمية. منحني الرجل الكبير حمدي النحاس فرصة العمر لدخول عالم الصحافة.. وبرز اسمي بشكل لافت وتلقفني الأستاذ محمود معروف رئيس القسم الرياضي ب"الجمهورية" في صيف 1984 عن طريق الزميلين الراحل عبداللطيف خاطر وجمال المكاوي قبل وقت قصير من تولي الكاتب الصحفي الكبير محفوظ الأنصاري رئاسة التحرير خلفاً للراحل الكبير محسن محمد.. ولم تمض سوي شهور قليلة حتي أصدر الأستاذ محفوظ الأنصاري قراراً بتعييني في يناير ..1985 لأجد نفسي بين عمالقة "الجمهورية" الأساتذة الراحلين ناصف سليم ومحمد الحيوان وجلال العريان وعدلي برسوم وعلاء دوارة.. وبين الذين مازالوا علي قيد الحياة ومتعهم الله بالصحة وطول العمر الأساتذة ناجمي قمحة ومحفوظ الأنصاري وصالح إبراهيم ومحمود معروف وكلهم تعلمت منهم كل فنون الصحافة.. الخبر والصياغة والحوار والمقال والتحقيق. عملت في الترجمة وفي المطار.. ومازلت أذكر نصيحة الأستاذ محفوظ الأنصاري عندما طلب مني أن أتولي مسئولية مكتب المطار بعد سفر الصديق حسن الرشيدي إلي الولاياتالمتحدة في منحة تدريبية.. وبعد ثلاثة أشهر فقط لم أتمكن من التوفيق بين عملي في الرياضة وعملي في مكتب المطار.. وطلبت من الأستاذ محفوظ إعفائي من مهمة المطار.. فوافق علي مضض لكنه قال لي ستندم علي هذه الفرصة.. لأن سقف الرياضة "واطي".. ولن تكون رئيساً لتحرير "الجمهورية"!! كنت وقتها سعيداً بالشهرة التي بدأت اكتسبها من عملي في الرياضة.. خاصة أن "الجمهورية" كانت هي الجريدة رقم واحد في الرياضة والحوادث والفن.. وكان محررو الرياضة هم الأشهر. عشت مع الجمهورية أفضل سنوات العمر.. سنوات التألق مع محسن محمد ومحفوظ الأنصاري عندما اقتربت "الجمهورية" من توزيع المليون نسخة متفوقة علي الأهرام والأخبار. عشت مع "الجمهورية" عندما انتقلت من مقرها القديم الدافئ بشارع زكريا أحمد إلي مقرها الحالي في صدر شارع رمسيس كمبني عملاق كان الفضل فيه للكاتب الصحفي "سمير رجب". عشت مع "الجمهورية" العديد من إنجازات الرياضة المصرية.. فوز محمد علي رشوان بفضية لوس انجلوس الأوليمبية ..1984 وفوز المنتخب الوطني بكأس الأمم الأفريقية ..1986 وكانت الطبعة الأولي تنفد بمجرد نزولها للشارع بعد لحظات قليلة من طباعتها وحبرها لم يجف.. واضطرت صحيفتا الأهرام والأخبار إلي تقليد "الجمهورية" وتوزع ليلاً.