في هدوء رحلت الزميلة الاستاذة ليلي الجبالي الصحفية بجريدة الجمهورية ومن لا يعرفها هي واحدة من أذكي وأنشط وأجمل وأرق الصحفيات المصريات وواحدة من أكثر المثقفين في مصر .. كانت بارعة في الكتابة صاحبة أسلوب رقيق وجذاب وهي الأسرع في الترجمة الفورية من اللغة الانجليزية للعربية وبالعكس .. ترجمت حوالي 19 كتاباً عالميا من الانجليزية للعربية .. وبرغم براعتها وانخراطها في الكتابة والترجمة لم تنس أبداً أنها أنثي كانت تهتم بمظهرها وأناقتها وترتدي أحدث خطوط الموضة الأوروبية وأيضاً تسريحة شعرها. تخرجت في قسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة وبامتياز وعينت معيدة لفترة لكنها عشقت الصحافة ومن أجلها هجرت التدريس بالجامعة. كنت محظوظاً أن عشت إلي جوارها أكثر من عشر سنوات حيث كانت هناك حجرة واحدة واسعة في المبني القديم بجريدة الجمهورية تضم أقسام المرأة والفن والرياضة .. الجزء الأمامي للفن وكان يضم الأساتذة أحمد ماهر واحمد عبدالمهيمن وصلاح درويش وماجدة موريس وليلي حسني والجزء الداخلي يضم قسم الرياضة وكان المعينون بالقسم هم الأستاذ ناصف سليم ورفعت النجار وطار إلي إيطاليا وعاش في روما وأنا. أما قسم المرأة فكان يضم نخبة لا يمكن أن تتكرر في أي صحيفة كلهن خريجات الجامعة الأمريكية أو قسم الصحافة بكلية الآداب أو قسم اللغة الانجليزية أو قسم اللغة الفرنسية أو كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وكلهن هوانم بمعني الكلمة أولاد عائلات راقية ترأس القسم نوال مدكور ابنة محمد باشا مدكور وتشعر أنك أمام هانم أو برنسيسة سليلة الملوك والأمراء ومعها علي سبيل المثال لا الحصر الهوانم ليلي الجبالي الأجمل بين صحفيات مصر وناهد المنشاوي وعصمت حامد وسهير عبدالستار ونجوي بسيوني ونفيسة الصريطي شقيقة الفنان سامح الصرطي وفريدة عباس. اختطف الموت منهن الواحدة بعد الأخري وكانت البداية مع نوال مدكور وأطال الله في عمر ناهد المنشاوي ونفيسة الصريطي ونجوي بسيوني وعصمت حامد وفريدة عباس. كنت استمتع بالحديث مع ليلي الجبالي وكم كانت مثقفة إلي درجة بعيدة .. وكانت مناضلة سياسية ومن أشد المعارضين لرجال الحكم وسجنت مرتين. كانت تستطيع ترجمة أي كتاب في غضون اسبوعين وأجرت العديد من الحوارات مع الكبار أمثال أنديرا غاندي وطه حسين وتوفيق الحكيم وأنيس منصور ويوسف ادريس ونجيب محفوظ وعباس محمود العقاد وأنطوان الجميل والملكة فريدة والملكة ناريمان. كان لا يعجبها الحال في المؤسسات الصحفية وكثيراً. ما اختلفت مع رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء تحرير الجمهورية مصطفي بهجت بدوي وفتحي غانم وعبدالعزيز عبدالله وإبراهيم نوار ومحسن محمد وقد تركت جريدة الجمهورية بارادتها احتجاجا علي أمور لا تعجبها ولحسن حظها أنها تركت الجريدة قبل عصرها الأسود في عهد سمير رجب. لا أنسي للمرحومة ليلي الجبالي أنها هي التي أقنعتني بالترشح في انتخابات مجلس إدارة نقابة الصحفيين ووعدتني أن تدعمني وتساندني بعلاقاتها القوية مع معظم الزملاء والزميلات بالمؤسسات الصحفية الاخري وبالفعل اجرت أكثر من ألفي اتصال هاتفي من تليفون منزلها بالزملاء وأحمد الله أنني نجحت وجاء ترتيبي الأول بين الناجحين سواء مع النقيب إبراهيم نافع أو النقيب مكرم محمد أحمد والفضل لله ثم للكاتبة المثقفة المحترمة الهانم ليلي الجبالي التي افتقدتها الصحافة ومر أسبوع علي رحيلها في هدوء دون أن يكتب أحد عنها سطراً واحداً .. وحتي جريدة الجمهورية لم تعلق ورقة واحدة علي الجدران تعلن عن وفاتها لأن الجيل الحالي للأسف لا يعرف من هي ليلي الجبالي العظيمة!!